ومن سورة الانسان
ومن سورة الانسان
  ٨١٦ - أما قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[٣] فدليل واضح على أنه تعالى هدى جميع المكلفين، لأنه ذكر الإنسان من قبل(١)، ثم قال: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} وأجرى الخطاب على لفظ الواحد والمراد به سائر المكلفين، ثم ذكر أنه هداه طريق الحق، ثم بين أنه وإن هداه، قد يكون شاكرا، وقد يكون كفورا.
  فأما تعلق الخوارج بهذه الآية في أن المكلف لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافرا؛ لأنه تعالى بيّن في الإنسان أنه إذا لم يكن شكورا، فهو كفور، وإذا لم يكن كفورا، فهو شاكر. فبعيد، وذلك أن الشاكر قد يصح كونه شاكرا وإن كان فاسقا، فقد دخل تحت الشاكر المؤمن والفاسق، لأن المقدم على بعض الكبائر خوفا ووجلا مع العزم على التوبة والتلافي متى قام بما يلزمه من الشكر واعترف بنعمه، وعظّمه حق تعظيمه، فهو شاكر فاسق، وإن كنا لا نصفه بأنه شاكر على طريق المدح، وإنما نجريه عليه على جهة الاستحقاق؛ فلا يدل إذن على ما ذكروه.
  ٨١٧ - وقوله: {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا}[٢٩] قد تقدم القول فيه(٢).
  ٨١٨ - وقوله تعالى: {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ}[٣١] فالمراد به النعمة، لأنه تعالى هو الذي يدخل العبد في نعمة الدين والدنيا، ويدخل الجنة فلا يدل ذلك على أنه تعالى أدخله في الإيمان.
(١) قال تعالى: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ١ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} الآيتان ١ - ٢.
(٢) انظر الفقرة: ٤٣٧.