متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة القدر

صفحة 697 - الجزء 2

ومن سورة القدر

  ٨٦١ - قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}⁣[١] يدل على حدثه لأنه⁣(⁣١) اختار إنزاله في حال دون حال، وذلك لا يصح فيما ثبت أنه قديم.

  ٨٦٢ - وقوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}⁣[٣] يدل على أن الطاعة أعظم؛ وذلك يقتضى أن الطاعة من فعل العبد؛ لأنه لو كان مخلوقا فيه لم يكن لتفضيلها على غيرها معنى، وإنما صح ذلك على قولنا؛ لأن الطاعة في بعض الأوقات تكون أدعى إلى الطاعة المستقبلة من غيرها من الطاعات أو تكون أدعى لغيره إلى التأسي من غيره. ولو كان تعالى هو الخالق لهذه الأفعال في الإنسان لما صح، لما ذكرناه. بل قولهم يوجب أن لا يصح أن يفضل فعل على فعل، وذلك أن لفضل الطاعة علة لأجلها كانت كذلك، لأنها لا تفضل بحسنها ووجوبها، وقد علمنا في الطاعتين أن إحداهما تفضل الأخرى وإن كانا في الحسن ووجوبهما ووقوعهما على وجه واحد لا تختلفان. فالعلة في ذلك ما قدمناه.

  وذلك لا يصح إلا مع القول بأن العبد عند بعض الأمور يكون أقرب إلى الطاعة عند خلافه. وذلك يوجب أن تصرفه فعله، وأنه ليس بخلق اللّه تعالى فيه.

  ٨٦٣ - وقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}⁣[٤] لا يفيد إلا على ما نقوله. لأن إثبات الملائكة بجميع الأمور في تلك الأمور⁣(⁣٢) وإنزالهم بها من قبل اللّه تعالى، إنما يفيد إذا صار داعيا للعبد إلى الطاعة عند الفكر في ذلك؛ لأنه تعالى عالم لذاته لا يحتاج فيما يعلمه إلى إثباته في كتاب.

  ولو قيل: إنه لطف للملائكة، لدل على ما قلناه أيضا.


(١) في الأصل: لأن.

(٢) كذا في الأصل.