متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الناس

صفحة 709 - الجزء 2

ومن سورة الناس

  ٨٨٨ - قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ١ مَلِكِ النَّاسِ ٢ إِلهِ النَّاسِ ٣ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ٤}⁣[١ - ٤] يدل على أن وسوسة الشيطان تدعو العبد إلى المعصية، ويكون عنده أقرب إليها، لأنه لو لم يكن الأمر كذلك، وكان ما يختاره خلقا للّه تعالى، لم يكن للوسوسة تأثير، ولا كان شرا يستعاذ منه، لأنه تعالى إن خلق في العبد ما دعاه إليه فلا بد من وجوده، كانت الوسوسة أم لم تكن، وإن لم يخلقه فكمثل، فإنما يصح ذلك على قولنا.

  ٨٨٩ - وقوله تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ٥ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ٦}⁣[٥ - ٦] يدل على أن الشيطان لا يفعل إلا الدعاء الخفي إلى المعصية، وأن العاصي هو المختار لذلك عند الدعاء، والملام عليه، ولذلك جمع بين الجنّة والناس، ومعلوم من حال الناس أنهم لا يضطرون إلى أمر عند الدعاء، وإنما يحصل منهم الترغيب والتزيين، ويكون القابل منهم أتى من قبل نفسه، لا من قبلهم، فكذلك الشيطان. وكما يجوز أن يكون الإنسان موسوسا لغيره، وإن لم يفعل في داخل صدره شيئا، لكنه لما سمّعه القول وكان موضع إدراك القول يقرب من الصدر، صح أن يقال: وسوس في صدره؛ فكذلك القول في الشيطان، فلا يدل ذلك على أن الشيطان يدخل صدر الإنسان، كما لا يدل مثله في الإنسان.

  تم المتشابه بحمد اللّه ومنه بلغت المعارضة على نسخة العراق