متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[خاتمة الكتاب]

صفحة 712 - الجزء 2

  الواحد منا أنه لو أراد قتل ملك، وبين يديه جيشه لحيل بينه وبينه لكان ملجأ إلى الكف عن ذلك؛ من حيث علم، أو غلب على ظنه اليأس من ذلك، ولو عرف من نفسه الجوع الشديد والطعام «حاضر لكان ملجأ⁣(⁣١) إلى تناوله مع السلامة. فإن جاز أن يتعبد بالكف عنه يتغير حال الإنسان.⁣(⁣٢)

  وليس لأحد أن يقول: إذا كان مع سبب الإلجاء لا بد من أن يفعل، أو لا يفعل، فكيف يصح إثباته قادرا؟ ولئن جاز ذلك، ليجوزن للمجبرة أن يثبتوه قادرا على ما يختار ويقع، وعلى ما لا يجوز أن يختار خلافه عليه، وذلك لأن مع سبب الإلجاء قد أثبتنا له حالا لا يصح معها إلا أن يفعل، بأن يقترن سبب الإلجاء بما يتغير به حاله، ولأنا لما نوجب أن يكون فاعلا؛ لتوفر الدواعي إلى الفعل، وفقد ما يقابله، أو يؤثر فيه، فيختاره لأجل ذلك، وإن كان يصح، على بعض الوجوه، أن يختار خلافه فيتغير الدواعي، أو أن يقدر فيه كونه شاهدا. وليس كذلك حال القوم؛ لأنهم لا يجوزون مع وجود قدرة الكفر أن لا يكون كافرا، ولا في قدرته وقدرة اللّه، ففارق قولنا في ذلك قولهم.

  وهذا كما نقول: انه تعالى لا بد من أن يفعل الواجب من الثواب والألطاف، فلا يوجب ذلك أن لا يصح منه خلافه. ولو أن قائلا قال في اللّه مثل قول المجبرة في الواحد منا، للزمهم أن لا يصح أن يفعل خلاف ما فعله.⁣(⁣٣)

  ومحفوظ ما ينبغي أن يعرف في حد الإلجاء، وإن كان أسبابه تكثر وتختلف، أن يقتصر في الملجأ الخروج، عند تردد الدواعي بين الفعل والترك، فيصير على طريقة


(١) في الأصل: أن يلجأ.

(٢) انظر المغنى: ١١/ ٣٩٧.

(٣) ص: أن يلجأ.