891 - مسألة في النخلية
  وقد يكون ذلك بأن يعلمه الضرر العظيم إن لم يفعل الإيمان، فمتى علم ذلك ببعض الآيات الخارجة عن العادة، وقوى ذلك في ظنه وصار الضرر في حكم الحاصل، فإن ذلك يلجئه إلى أن يفعل ذلك الشيء.
  وعلى هذا الوجه بين تعالى أنهم لما رأوا اليأس من العذاب آمنوا على جهة الإلجاء، ولذلك بين أن ما فعله من اتصال البحر في فرعون أوجب كونه ملجأ؛ لأنه عند ذلك حصل له العلم، أو قوة الظن بذلك الأمر اليائس الذي في حكم الضرر الحاصل، فصار ملجأ إلى إظهار ما أظهر.
  فعلى هذا الوجه: يكون تعالى مريدا من العبد الإيمان وعلى جهة الإلجاء: إما بإعلام، على ما قلناه ثانيا(١). فلما لم يفعل القديم تعالى ذلك بالمكلفين وأراد منهم الإيمان مع فقد ذلك، ومع تردد دواعيهم بين الفعل والترك، لم يجب أن يكون مريدا على جهة الإلجاء، بل كان مريدا منهم ذلك على طريقة الاختيار، وعلى وجه يعلم من حالهم أنهم لو فعلوه، لاستحقوا به المدح والثواب، فإذا اقترن حال الإرادتين بما بيناه من الوجهين، لم يمتنع أن يثبته تعالى مريدا للايمان على أحد الوجهين، وينفى كونه تعالى مريدا له على الوجه الآخر. والوجه الذي لم يرده عليه لا يمتنع أن يقول فيه: {وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} لأنه لو شاءه في الحقيقة لنفى ذلك عن نفسه، وتبين مع ذلك قدرته على أن يلجئهم، وإن كان تعالى قد أثبت نفسه بذلك العقل والسمع مريدا من جميع المكلفين الإيمان.
٨٩١ - مسألة في النخلية(٢)
  اعلم أنه لا بد في المكلف أن يخلى بينه وبين ما كلف، وبين تركه، لكي
(١) كذا في الأصل.
(٢) انظر المغنى: ١١/ ٣٩١ فما بعدها.