متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

892 - مسألة فيما به يكون المكلف مزاح العلة فيما كلف:

صفحة 717 - الجزء 2

  الغرض، فلا بد من أن يفعل ما يتم ذلك به ومعه، ولن يتم ذلك إلا بأن يجعله مشتهيا لما كلفه الامتناع عنه، أو في حكم المشتهى، ونافر الطبع عما كلفه، أو في حكمه؛ لتصير الطاعة شاقة عليه، فيستحق بها الثواب، ويصير امتناعه عن المعصية كمثل، فيستحق بأن لا يفعلها الثواب. ومتى لم يجعل المكلف بهذه الصفة، لم يجز أن يستحق الثواب، لأنه لا يجوز أن يستحق النفع على ما يختاره من المنافع، ولا بما يستحقه على ما تحمل [من] المضار! يبين ذلك أن أحدنا لا يستحق الأجرة على أكل اللذات، ويستحقها على الصناعات وسائر ما يشق، لكنه قد ثبت أن المكلف إذا قدر في الفعل أن يشتهيه شق عليه الامتناع من الاشتهاء إلى ما دونه، ويشق عليه تصبير نفسه على بعض المشتهيات دون بعض، فيصير حابسا لنفسه إلا على ذلك، فأقيمت هذه الوجوه مقام أن يعلم نفسه مشتهيا، في ثبوت التكليف معها، من حيث علم أنه في جميعها يشق عليه الامتناع، كما يشق عليه ذلك فيما يعلم نفسه نافرا عن الشيء، أو يقدر ذلك فيه، أو يؤثر في آلاته أو تقوية المنافع، أو يقصر به عن الحد الزائد في ملاذه، في أنه يشق عليه مع جميع ذلك الإقدام، فسواء بين الكل في أنه يجوز أن يكلف معه.

  فهذا هو الذي يجب أن يحصل عليه المكلف ليحسن تكليفه [و] لو صح أن يكون ممن لا يشق عليه، لوجب في الحكمة أن لا يجعل على هذه الصفة، لأن الغرض تعريضه للثواب دون العقاب، بل الغرض تنقيذه من العقاب، ولو صح أن ينقذ منه، والحال ما ذكرنا، لوجب أن يجعل كذلك، لكنه لما كانت الشرائط التي معها يستحق الثواب يحصل معها الشروط التي لكونه عليها يستحق العقاب بالقبيح، وحسن في الحكمة تعريضه للثواب، حسن في الحكمة أن يجعل بحيث يصح أن يستحق العقاب بالمنع الذي لا يؤثر في التكليف، ولا يكون ذلك المنع