متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

894 - مسألة في الأدلة التي لا يصح التكليف إلا مع نصبها

صفحة 718 - الجزء 2

  إلا بوجهين: أحدهما: الوعيد وما يتصل به. والثاني: الألطاف وإزالة المفسدة وما يتصل بهما، على ما سنبينه.

٨٩٤ - مسألة في الأدلة التي لا يصح التكليف إلا مع نصبها

  اعلم أن المكلف لا بد من أن يكون عالما بما كلف على جملة أو تفصيل ليميزه من غيره. وإلا لم يحسن تكليفه، فصار تعريفه ما كلف بمنزلة الإقدام عليه والتمكين منه، في أنه لا بد منه، وإلا قبح التكليف. فإذا ثبت ذلك، وكان تعريفه ما ذكرناه، قد يكون بوجهين: أحدهما: أن يعلمه صلاحا باضطرار حاله.

  والثاني: أن يدله عليه. فلا بد من حصول أحد الوجهين في سائر ما كلف، فما حسن الاضطرار فيه فلا بد من أن يضطره تعالى إليه. وما لا يحسن ذلك فيه، أو كان الاستدلال فيه أولى في الحكمة، فلا بد من أن يدل عليه. ولا يجوز أن يكلف فعلا ويخليه من تعريفه حاله من كلا هذين الوجهين. وقد صح أنه تعالى قد عرفنا ما كلفنا بالوجهين جميعا؛ لأنه أعلمنا باضطرار أن الظلم قبيح، وكلفنا الامتناع منه، وأن شكر النعمة واجب، ورد الوديعة كمثل، وكلفنا الإقدام عليها، وعرفنا ما لنا من الفضل بالاختيار، فندبنا إلى فعله.

  فأما ما عرفنا بالاستدلال مما لا يتعلق بفعل ما كلفناه، فتفصيله كثير مما ذكرنا جملته، وسائر الشرائع، وما يعلم قبحه وحسنه ووجوبه من جهة العقل والشرع، وتفصيل ذلك يكثر، وما أوردناه من الجملة يكفى فيه. ومحصول الأدلة والبيان مما يمكن المكلف عند التفكر فيه أن يتوصل به إلى المعرفة، بما دخل تحت التكليف، فهذا هو الذي لا بد منه. والزيادة على الأدلة قد يكون الصلاح في أن يفعله تعالى، وقد يستوى بفعله وأن لا يفعل. فمتى كان صلاحا وجب في الحكمة أن يفعله،