متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

897 - مسألة فيما ذكرناه من أنواع اللطف

صفحة 722 - الجزء 2

  والعقاب. فمتى خطر بباله ما يوجب الخوف إن هو لم ينظر في معرفته، لزمه النظر. وكذلك إذا دعاه الداعي إلى ذلك.

  فلو قال قائل: أتقولون إن هذه المعارف هي لطف له في الواجبات؟ لقلنا:

  نعم، لأن عند معرفته بالعقاب وبأنه يستحقه إذا هو لم يفعل النظر وما يتلوه من الواجبات، يخاف الخوف العظيم من ترك النظر، وقد ثبت في عقله أن التحرز من المضار المخوفة، في الوجوب، كالتحرز من المضار المعلومة، فيلزمه عند ذلك النظر، وسيأتي ما يتلوه وإن كان لا يعلم أن ذلك مما يختار عنده الواجبات لا محالة، على الوجه الأول الذي ذكرناه.

  وقد يدخل في اللطف النوافل⁣(⁣١)، لا لأن عندها يختار الواجب لا محالة، لكن لأنه يكون أقرب إلى ذلك، فتكون مقوية لدواعيه، ومسهلة سبيل الإقدام عليه، فلا يمتنع أن يقال فيما يرد من الخاطر: إنه لطف، ويقال في هذا الوجه أيضا إنه لطف، لأنهما ينبعثان من حيث ذكرنا اللطف الذي بيناه أولا فلا تخرج الألطاف عن هذه الوجوه الثابتة فيه. وليس الغرض العبارات. فإذا ثبت من جهة المعنى أن حالها سواء، فقد ثبت ما أردناه.

  فإن قال: إن اللطف الذي ذكرتموه أولا لا شبهة في وجوبه؛ لأن عنده يختار فعل ما كلف لا محالة، وكذلك ما ذكرتموه ثانيا، لأن عنده يخاف إن هو لم يفعل ما كلف، فكيف يصح القول بأن النوافل لطف ولا [يتأتى]⁣(⁣٢) فيها ما ذكرنا. وهل تقولون فيها إنه تعالى يجب أن يتعبد بها، وإن لم يلزمها


(١) انظر المغنى: ١٣/ ٢٦.

(٢) خرم في الأصل.