متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

903 - مسألة فيما يكون لطفا من الأدلة

صفحة 731 - الجزء 2

  حتى يصح اللطف فيه. ولذلك قلنا إن من قال في قدرة الإيمان: إنها لطف، فقد أخطأ في المعنى والعبارة، لأن اللطف: ما يجوز عنده الفعل والترك، ولا يعقل منه في الشاهد إلا ذلك، لأن القائل إذا قال: لقد لطفت لفلان في أكل طعامي، لم يعقل من ذلك إلا أنه فعل ما عنده يختار الأكل على الترك، مع صحة الأمرين، ولذلك يقال: إني لطفت للغلام فيما لحقه من الوجع بالضرب، إذا كان [ذلك] مما يجب كونه.

  فإذا صح ذلك، وجب أن يكون سائر أنواع التمكين حاصلا في المكلف حتى يصح اللطف عليه، ثم يلطف له في الوجوه التي بيناها، ويجنب وجوه المفاسد التي قدمنا ذكرها. ولذلك قلنا: إن ابتداء التكليف لا يكون لطفا، لأن معه يصح التمكين. وجوزنا في تكليف زيد أن يكون لطفا لعمرو، وفي تكليف بعض الأفعال أن يكون لطفا في غيره. فعلى هذا الوجه يجب أن يعتبر هذا الباب.

٩٠٣ - مسألة فيما يكون لطفا من الأدلة⁣(⁣١).

  اعلم أنه تعالى إذا علم أن عند دليل مخصوص، يختار المكلف ما يختاره، ولولاه كان لا يختار، وإن كانت الأدلة قد تقدمت، فإن تلك الأدلة توصف بأنها لطف له. [و] على هذا الوجه قلنا في كثير من المعجزات: إنها ألطاف لمن المعلوم من حاله ما ذكرناه، لكنه لا يعد لطفا له إلا إذا كان متمكنا من معرفة صدقه، #، بغير تلك الدلالة، لكنه يعلم من حاله أنه يعرض عن ذلك، فلا يستدل بها ويستدل بهذه، فتكون لطفا له، على ما بيناه. فإن كانت الأمور التي كلف العبد ما هذا حاله سوى المعجزات، فيجب أن يقال فيه بمثل هذا القول، لكن هذا الوجه إنما يصح في الأمر الذي يعتوره الأدلة. فأما إذا


(١) انظر المغنى: ١٣/ ٩٥ - ١١٥.