903 - مسألة فيما يكون لطفا من الأدلة
  لم يكن فيه إلا دليل واحد، فإنه لا يصح هذا الوجه فيه. وهذا الباب انما يكون لطفا في المعارف فقط؛ لأن الغرض بالأدلة الوصول بها إلى المعارف دون سائر الأفعال، وان كنا لا نعد أن يكون لطفا في نظر سواه، وفي غيرهما من الأفعال أيضا.
  واعلم أن في زيادات الأدلة ما يجوز أن يكون لطفا لمن قد استدل، دون من لم يستدل. ولا يعرف، من حيث يعلم من حاله أن تأثيره إنما يكون فيه دون المعرض عن الأدلة. وهذا بمنزلة ما عرفناه من حال العالم العارف، أنه يتمكن من أن يعرف عند ذلك من الشبه وحلها، والأسئلة وجوابها، وما يكون مؤكدا لدلالته التي استدل بها، ما لا يجوز أن يعرفه غيره. وعند ذلك متى فكر فيما ذكرناه، زاده ذلك بصيرة وانشرح به صدره؛ من حيث ثبت في المعلوم أن بعضها يتعلق ببعض، ولذلك نجد هذا العالم المرن أعلم بالمسألة الواحدة من غيره، وإن كان ذلك الغير قد عرفها، من حيث قد علم هذا من سائر ما يتصل بها ويتعلق علمها به، ما لا يعرفه ذلك. وهذا ظاهر.
  فإذا صحت هذه الجملة، لم يمتنع أن يخص تعالى المؤمن المهتدى بهذا الوجه من اللطف؛ لأنه لا يصح كونه لطفا إلا [له] دون غيره. ولا يوجب ذلك أن يكون تعالى مانعا غيره من التمكن أو فعل ما كلف.
  واعلم أنه قد يدخل في هذا الباب ما يورده تعالى على المكلف من الخواطر والتنبيه؛ لأنه يجوز أن يعلم أن ذلك مما يختار عنده النظر والمعرفة وسائر ما كلف، ولولاه كان لا يختاره وإن كان متمكنا. فمتى كان هذا حاله وجب أن ينبهه بالخواطر وسائر وجوه التنبيه. وربما كان حدوث السهو والتشاغل مفسدة له، فيجب في الحكمة أن يجنبه ø.