متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[سورة الفاتحة]

صفحة 41 - الجزء 1

[سورة الفاتحة]

   ١٣ - مسألة: قالوا: قد قال ø فيها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}⁣[٥] فأمر بالاستعانة به، وذلك يدل على أن المعونة⁣(⁣١) تتجدد حالا بعد حال، وهي القدرة، وأنها مع الفعل⁣(⁣٢)، ولو كانت متقدمة لكانت المعونة قد حصلت، فكان لا يكون للمسألة معنى!

  الجواب: واعلم أن الفزع إليه ø والاستعانة به يدل على قولنا في المخلوق، وذلك لأن العبد لو لم يكن يفعل في الحقيقة لم يكن للاستعانة معنى، لأنه إنما يستعين بغيره على فعل يفعله، ولذلك لا يصح الاستعانة على الأمور الضرورية، كاللون والهيئة والصحة، والاعتماد على ذلك في أن العبد يفعل في الحقيقة هو أولى.

  ووجه آخر يدل على ما نقول، وذلك لأنه قال تعالى: (إياك نعبد) فيجب أن تصح العبادة منا، والعبادة هي الفعال⁣(⁣٣) التي يقصد بها الخضوع والتذلل للمعبود مع العلم بأحواله، وذلك يدل على أن العبد يفعل ويختار.


(١) في الأصل: المعرفة.

(٢) من مذهب جمهور المعتزلة أن القدرة متقدمة لمقدورها غير مقارنة له، لأنه يلزم على القول بمقارنتها للمقدور تكليف ما لا يطاق، وذلك قبيح، ومن «العدل» أن لا يفعل القبيح، وعند المجبرة أن القدرة مقارنة للمقدور؛ لأن أحدنا لا يجوز أن يكون محدثا لتصرفه! ولما ثبت أن اللّه تعالى محدث على الحقيقة، قالوا: إن قدرته متقدمة لمقدورها غير مقارنة له!

انظر: مقالات الاسلاميين للأشعرى، نشر مكتبة النهضة بمصر ١٣٦٩، ١/ ٢٧٥ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار؛ ٣٩٠ - ٤٠٨. الفعل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم ٣/ ٣٣.

(٣) في الأصل: الفعل.