الفصل الثاني متشابه القرآن
  على أننا نقول إن هذا المنهج الذي سار عليه القاضي في تأويل المتشابه - في كتابه - وفي تفسير القرآن وحجيته - بعامة - وما تقدم ذلك من ترتيب الأدلة ... جزء لا يتجزأ من منهج المعتزلة الفكري بوجه عام. وأي حديث عن منهج القاضي في كتابه يجب أن يبحث في ضمن هذا الإطار. والذي ذكرناه هنا لا يعدو أن يكون إيضاحا لأهم جوانب هذا المنهج، ومحاولة للشرح والربط، قصدنا منه إلى جلاء «الأصل» الذي يصدر عنه القاضي في تفسير المتشابه وتأويله(١) دون الحديث عن تقويم هذا الأصل الذي لا محل للحديث عنه في هذه المقدمة.
بعض الشواهد على هذا المنهج:
  وغنى عن البيان، بعد هذا، أن هذه النزعة العقلية هي التي تتجلى بوضوح في تأويلات القاضي للآيات المتشابهة، وفي رده على الخصوم تمسكهم بظواهرها، وفي استدلاله كذلك على مذهبه بالمحكمات. ونكتفي هنا بإيراد بعض الشواهد الموضحة لذلك.
  ١ - يرد القاضي على من زعم أن قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} يدل على أن هذه الأمور كلها مباحة، وأن لنا التصرف في جميعها، بقوله: إنه تعالى خلق ما في الأرض - في الجملة - للعباد لكي ينتفعوا به، فالظاهر في الجملة لا يخالف ما ثبت بالدليل. ثم يقول، «فأما من جهة التفصيل: فلا بد من شرط. ولا فرق بين أن يكون منطوقا به أو معروفا بالعقل، وهو أن لنا أن نتصرف فيه ما لم يؤد إلى مضرة على وجه ...»(٢)،
(١) نقوم الآن بإعداد دراسة وافية عن منهج المعتزلة في تفسير القرآن.
(٢) ص ٧٦ من الكتاب.