ومن سورة الرعد
ومن سورة الرعد
  ٣٦٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه جسم يجوز عليه المكان والاستواء واللقاء، فقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ...}(١) إلى قوله:
  {لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.
  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا من قبل أن الاستواء: المراد به الاستيلاء والاقتدار، وكشفنا ذلك بما يغنى عن ذكره الآن(٢). وبينا أن لفظة: «ثم» وإن اقتضت الاستقبال فإنها في هذا المكان داخلة على تسخير الشمس والقمر وتدبير الأمر، دون الاستواء، فكأنه قال تعالى: ثم سخر الشمس والقمر، يدبر الأمر، يفصل الآيات وهو مستو على العرش؛ لأنه لا يجوز أن يصير مقتدرا عليه بعد أن لم يكن كذلك؛ لأن هذا المعنى لا يصح في صفات ذاته.
  وقد استدل شيوخنا، رحمهم اللّه، بهذه الآيات ضد المشبهة، لأنه بين تعالى أنه رفع السماوات بغير عمد يرونها، وذلك لا يصح في الأجسام، لأنه إنما يصح أن يفعل رفع الثقيل بعمد هو بعضه أو غيره، ومتى لم يعمده بذلك لم يصح منه رفعه، فدل على أنه تعالى قادر لذاته، وأنه ليس بجسم.
  فإن قال: لم ينف تعالى العمد، وإنما نفى عمدا نراها، فلا يمتنع إثبات عمد لا نراها!
(١) وبعده {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} الآية الثانية.
(٢) انظر الفقرة ٢٣.