متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

الفصل الثاني متشابه القرآن

صفحة 47 - الجزء 1

  تعالى، بالآية الكريمة {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} ويقول في ذلك: «إن أقوى الإضافات في الفعل أن يضاف إلى فاعله، فلو كان تعالى خلق ما كتبوه لما صح أن ينفيه عن نفسه مع أنه الذي خلقه وأوجده»!

  فإن اعترض على القاضي بأنهم يضيفون الطاعة إليه تعالى وإن لم يفعلها، قال: «إن الذي قلناه إن ما يفعله لا يجوز أن ينفى عنه فلا يضاف إليه، ولم نقل إن كل ما أضيف له فهو فعله» ثم يتحدث عن أنواع الإضافات في اللغة فيقول: «قد يضاف الشيء إلى من فعله، وقد يضاف إلى من أعان عليه وسهل السبيل إليه ولطف فيه، وقد يضاف إلى من فعل ما يجرى مجرى السبب له، ولذلك قد يضاف ما يفعله أحدنا من الإحسان إليه؛ لأنه فعله، وقد يضاف أدب ولده إليه وإن كان من فعل الولد، لما فعل المقدمات التي عندها يتأدب ...

  وهذا ظاهر في اللغة، ولا يعرف في اللغة قطع إضافة الفعل عن فاعله البتة⁣(⁣١)».

ومن شواهد الاعتماد على النظم والسياق

  ١ - وحمل القاضي قوله تعالى في الكفار: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} على التشبيه، لأنهم لشدة تمسكهم بالكفر، وإخراجهم أنفسهم أن ينتفعوا بما يسمعون ويبصرون، كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر. ولم يجوز أن يكون في الآية دلالة على أنه جعل الكفار ممنوعين من الإيمان، كما زعم بعضهم، لأن قوله تعالى في آخر الآية {فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} لو كان المراد به التحقيق لم يكن لذلك تعلق


(١) انظر ص: ٩٦ - ٩٧.