متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة إبراهيم #

صفحة 413 - الجزء 2

ومن سورة إبراهيم #

  ٣٧٠ - مسألة: قالوا: ثم ذكر فيها ما يدل على أن ما يقع من العبد إنما يقع بإرادته، فقال تعالى: {الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}⁣[١] والإذن لا يجوز أن يكون إلا الإرادة التي لها يقع الخروج، دون العلم والأمر اللذين لا يؤثران في هذا الباب.

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الكلام إنما يقتضى أنه أنزل الكتاب إليه صلى اللّه عليه، لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومعلوم أنه لا يخرجهم بالقسر والإكراه، وإنما أريد بذلك أن يبعثهم على ذلك ويدعوهم إليه، وشبه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة، على مجاز الكلام.

  وقوله تعالى: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} المراد به: بأمره، لأن الإذن إذا أطلق فالأولى به الأمر والإباحة، وقد علمنا أن الإباحة لا تدخل في العدول عن الكفر إلى الإيمان، فالمراد به الأمر، وكأنه تعالى بين أنه أنزل الكتاب عليه، صلى اللّه عليه، ليعدل بهم بأمر اللّه تعالى عن الكفر إلى الإيمان، وهذا بين.

  ٣٧١ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يخص بالهدى بعض عباده، والضلال بعضا، فقال: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[٤]

  والجواب عن ذلك قد تقدم عند بيان الهدى والضلال، وينبغي أن يكون المراد في هذا الموضع أنه يضل من يشاء بأن يعاقبه ويهلكه جزاء له على كفره، ويهدى من يشاء إلى الثواب وطريق الجنة، جزاء له على إيمانه، ولا بد من تقدير