الفصل الثاني متشابه القرآن
كتاب القاضي بين كتب الفرق الأخرى:
  أما أصحاب الفرق الأخرى فما وصل إلينا ما يدل على أن واحدا منهم قد نسج على منوال القاضي في كتابه، فأوّل جميع الآيات المتشابهة لتوافق المحكم الدال على مذهبه فيما يعتقد، وأصّل الاستدلال بهذا المحكم على ما يقول، وإن كان من الممكن هنا الإشارة إلى كتاب: «تأويلات أهل السنة» لأبى منصور الماتريدي المتوفى سنة ٣٣٣ فإنه وإن كان تفسيرا كاملا للقرآن لم يقصره على المحكمات والمتشابهات، إلا أنه يطيل الوقوف عند هذا النوع من الآيات، ويرد في ذلك على سائر الفرق، ولعل هذا مما حمله على تسميته كتابه بهذا الاسم(١).
  وكتاب: «الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله(٢)» المنسوب للإمام أحمد بن حنبل الذي أول فيه بعض الآيات على خلاف تأويل الجهمية لها، مثل آيات الرؤية والعرش ونحو ذلك، أو بعبارة أخرى: التي رفض فيها تأويل الجهمية، حملا لها على الظاهر، حتى زعم مثلا أن اللّه على عرشه في السماء(٣)، أو مستدلا على هذا الرفض ببعض الروايات، حتى إنه ذهب في إثبات تكليم اللّه لموسى بكلام سمعه إلى الاستشهاد بحديث الزهري أن موسى لما رجع إلى قومه وسألوه أن يشبه لهم كلام اللّه، قال: «هل سمعتم الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه
(١) راجع (تأويلات أهل السنة) مخطوط دار الكتب المصرية: ٢٧٣٠٦ ب وهو يقع في ثلاث مجلدات ضخام.
(٢) انظر الكتاب ضمن مجموعة نشرها الشيخ محمد حامد الفقى باسم (شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين) من ص: ٤ - ٤٠. بمطبعة السنة المحمدية سنة ١٣٧٥.
(٣) شذرات البلاتين، ص: ٣٣ - ٣٤.