متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الروم

صفحة 552 - الجزء 2

ومن سورة الروم

  ٥٧٤ - دلالة: وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ}⁣[٨] يدل على أنه تعالى لم يفعل ولا يفعل القبائح، وذلك أنه لو كان فاعلا لها لم يصح أن يقول: ما خلقهما وما بينهما إلا بالحق، لأن الباطل لا يجوز أن يكون مفعولا بالحق؛ ألا ترى أن الرجل إذا قال لغريمه: لا آخذ منك هذا المال إلا بالحق، أن ذلك يدل أنه يأخذه على وجه يحسن، ولو كان تعالى يفعل القبيح لم يوثق في شيء مما فعله أنه خلقه بالحق، بل كان يجوز أن يكون فاعلا له على وجه العبث والظلم، لأنه مالك، ولأنه يفعل في ملكه ما يريد.

  وقول من يقول: إن المراد بقوله: {إِلَّا بِالْحَقِّ}: قال كن فكان، جهل، لأن ذلك لا يعرف في اللغة، فيمنع أنهم يعرفون الحق والباطل، وما يقتدى به، فكيف يجوز أن يحمل عليه؟ وكأنه تعالى أراد أن يبين أنه خلق جميع ذلك على وجه الحكمة، لكي يعتبر المكلف، ويستدل، فيصل إلى المطلوب، ويؤديه ذلك إلى الفوز والنجاة، وذلك لا يتم إلا على قولنا في العدل.

  ومن وجه آخر، وذلك أن الآية تدل على أنه تعالى بعث بهذا القول على التفكر في خلقهما وما بينهما، والاستدلال بذلك، وهذا لا يتم متى قيل:

  إن المعرفة ضرورة، لأنه تعالى إذا خلقها فيه استغنى عن التفكر، وإن لم يخلقها، وخلق الجهل بدلا منها، فلا وجه للتفكر، وبمثل ذلك أبطلنا قول أصحاب المعارف، وبينا أن مع الاضطرار لا يصح البعث على التفكر والاستدلال بهذه الأمور!