متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الأحزاب

صفحة 563 - الجزء 2

ومن سورة الأحزاب

  ٥٩٣ - دلالة: وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}⁣[٤] يدل على تنزيهه عن الكذب، وذلك أنه لو كان يخلقه لكان قوله خطأ من وجهين: أحدهما أن نفس الكذب ليس بحق. والثاني: أن ذلك يمنع من الثقة يصدقه، فلا يوثق به على وجه من الوجوه!؟ فإن قالوا: إنا نقول إنه يخلق القول الكذب، ولا نقول: إنه يقول الكذب، فلا يلزم ما قلتم. فهذا فاسد، لأن فاعل القول لا بد من أن يكون قائلا، ويوصف بأنه قال ويقول، على حسب المضي والاستقبال، ولا يعرف في اللغة سواه.

  وهذا يوجب، لو فعل الكذب، أن يكون قائلا ما ليس بحق، وقد نفى اللّه ذلك عن نفسه.

  ٥٩٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه تعالى يعاقب المكلف بما لا يستحقه، فقال: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ}⁣[٣٠].

  والجواب عن ذلك: أنه تعالى ذكر أنه يضاعف لها العذاب، ولم يقل: إن الذي يفعله من ذلك لا تستحقه! بل ظاهر وصفه لذلك بأنه عذاب، بعد ذكر المعصية، يقتضى أنه مستحق به، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.

  فإن قال: فكيف يصير عقوبة ما تأتيه أزواج النبي، صلى اللّه عليه، ضعف عقوبة غيرهم؟

  قيل له: لوجوه تجوز في ذلك، منها: أن ما يفعلنه من ذلك يغم رسول اللّه، صلى اللّه عليه، ويعظم ذلك عليه، فتعظم المعصية لذلك، ويزيد عقابها له، ومنها:

  أن نعم اللّه تعالى عليهن، بموقعهن من الرسول، صلى اللّه عليه، أعظم، والمعصية تعظم لأجل عظم نعمة المعصى، كما أن معصية الأب تعظم لأجل عقوقه ما لا تعظم