ومن سورة يس
ومن سورة يس
  ٦١٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه أقام الحجة على بعض دون بعض، فقال: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ}[٦]
  والجواب عن ذلك: أن الإنذار إذا كان من قبل الرسول فغير ممتنع أن ينذر قومه «دون من(١) تقدمهم، إن لم يكن إرسال الرسول إليهم مصلحة لهم، فاقتصر بهم على ما كلفوه من جهة العقل. وإنما لم ينذروا بالسمع للاستغناء عنه، فلأن الحجة قامت عليهم في سائر ما كلفوه بالعقل دونه، فبين تعالى أن قبل بعثته الرسول، صلى اللّه عليه، كانت الحال حال فترة لم يبعث فيها الرسل، وإن كان التكليف قائما، فليس في ظاهر الكلام ما يمنع مما ذكرناه!
  وبعد، فإن المخالفين لا يقولون بجواز التكليف مع عدم الدلالة والحجج، فلا بد من أن يتأولوا هذه الآيات على بعض الوجوه. وإنما يلزمهم جواز التكليف مع عدم الدلالة، على قولهم بجوازه مع عدم القدرة، ويبين أن الحاجة إلى القدرة آكد من الحاجة إلى الدلالة، فإذا جاز التكليف معه فبأن يجوز مع عدم الدلالة أولى، وإلا فالقوم لا يرتكبون ذلك على وجه!
  ٦١٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه قد يكلف ويمنع مما كلف: فقال: {إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}[٩]
(١) في الأصل: ومن.