متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الزخرف

صفحة 608 - الجزء 2

ومن سورة الزخرف

  ٦٧٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر - تعالى - فيها ما يدل على أنه الخالق للكفر والإيمان، فقال: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها}⁣[١٢] ويدل في ذلك على ما ذكرناه.

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الأزواج إنما يفيد الأشياء المتشاكلة المتشابهة، فلا يقع هذا القول في الأعراض وأعمال العباد، وإنما يراد به الصور والأشخاص، الذي يظهر فيها التشابه.

  وإنما أراد تعالى أن يبين بهذه الآية أنه الخالق لسائر ما ينتفعون به من الأشياء المتشاكلة التي يقع النفع بها، على طريق التمدح والامتنان، ولو كان تعالى أراد به الكفر لم يكن تمدحا، ولوجب أن يكون ذما!

  ٦٧٨ - وقوله: {وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}⁣[٢٠] فقد بينا أنه يدل على إبطال قولهم في أنه تعالى يريد ما يقع من العباد من عبادة الأصنام وسائر المعاصي، في سورة الأنعام⁣(⁣١).

  وقوله تعالى: {وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ}⁣[٣٣] فإنه يدل على أنه لم يفعل ما يكون المكلف عنده أقرب إلى المعصية؛ لأنه بين أنه لم يجعل الكفار بهذه الصفة لئلا يفسد غيرهم، فيكفروا، فيصيروا أمة واحدة.

  ويدل على أنه تعالى إذا لم يفعل ذلك، أنه لا يجوز أن يكون خالقا لنفس


(١) انظر الفقرة: ٢٣٩.