متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الطور

صفحة 631 - الجزء 2

ومن سورة الطور

  ٧٢٧ - أما تعلقهم بقوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}⁣[٢١] في أن الابن يصير مؤمنا بايمان الأب، وأن ذلك إذا صح فيه، لم يتمنع أن يكون طفل الكافر كافرا بكفر أبيه في الحقيقة، فبعيد، وذلك أنه ليس في ظاهره إلا أنه ألحق ذرّيتهم بهم، وليس فيه بيان أنهم غير بالغين، فقد يقع هذا القول على أولاد الرجل وإن بلغوا، ولذلك قال تعالى:

  {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ}⁣(⁣١).

  فإذا صح ذلك، فالمراد: أنه تعالى ألحقهم بهم من حيث شاركوهم في الإيمان، فاستحقوا ما استحقوه من الثواب والجزاء، ولذلك قال تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ} فخبر عن الوجه الذي اتبعتهم فيه. وقد قال تعالى في آخره:

  {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ}⁣(⁣٢) مبينا بذلك ما ذكرناه.

  ٧٢٨ - وقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ}⁣[٣٥] هو إثبات الفاعل الخالق، وهو المراد بالشيء المذكور؛ لأن الدلالة قد دلت عندنا على أن الفاعل يخترع فعله، لا أنه يفعل الفعل من شيء سواء، فالمراد إذن ما ذكرناه.

  ٧٢٩ - وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا}⁣[٤٨] لا يدل على ما تقوله المشبهة؛ لأن ذلك يوجب أن يكون له أعينا، وليس أوّل الجمع بذلك أولى من آخره! فيوجب ذلك إثبات عيون له لا آخر لها، وأن لا يوقف على حد لا يصح إثبات أكبر منه، وذلك يبطل قولهم، لأن من يصرح بالجسم منهم، وبإثبات الجوارح، يثبته كمثل صورة آدم، ولا يثبت له إلا عينين. فيجب أن يكون المراد بذلك: إثباته عالما بجميع ما يحصل من العباد.

  وهذا كما يقال: إن هذا الشيء وقع بمرأى منى ومسمع؛ إذا كان عالما بتفصيله.


(١) الآية: ٨٤ من سورة الأنعام.

(٢) تتمة الآية السابقة - ٢١ -: {وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ}.