متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الواقعة

صفحة 640 - الجزء 2

ومن سورة الواقعة

  ٧٤٤ - أما قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ٥٨ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ}⁣[٥٨ - ٥٩] فإنه لا يدل على أن فعل العبد اللّه خلقه، وذلك أنه وصف العبد بأنه يمنى من حيث يحصل الإنزال، واستقرار الماء في الرحم عنه.

  ثم ذكر أنه تعالى يخلق ذلك ولدا مصوّرا. وهذا هو الذي يقتضيه ظاهره وبه نقول.

  وقد بينا من قبل، أن إنزال الماء لا يمكن أن يقال: إنه من فعل العبد أيضا وإن كان قد يحصل له فيه فعل، وشرحنا القول فيه⁣(⁣١)، فتعلقهم بذلك لا يصح على وجه.

  ٧٤٥ - وأما تعلقهم بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ٦٣ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}⁣[٦٣ - ٦٤] في أن طرح البذر والحرث، كان يكون من خلقه تعالى وأن العبد [ما] فعله، فبعيد، وذلك لأن الزرع قد اختلف فيه، فمنهم من قال: إنه اسم للنبات الظاهر، وهذا هو من خلقه تعالى، لأنه الذي ينبت الزروع وينميها، ويجعلها بالصفة التي تحصل عليها. ومنهم من قال: إنه طرح البذر، ولذلك يقول القائل: قد زرعنا الحنطة والشعير، إذا بذره.

  وعلى هذا القول؛ في الكلام ما يدل على أن المراد به ما قلناه أولا، لأنه قال:

  {أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ} فأضاف الحرث إليهم، ثم قال: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} يعنى ما تقدم ذكره، فيجب أن يكون المراد به: النبت والظهور، على الوجه الذي قلناه.


(١) انظر الفقرة: ٤٨٤.