متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الحديد

صفحة 642 - الجزء 2

ومن سورة الحديد

  ٧٤٧ - قد بينا أن الجمادات إذا كانت لا تفعل التسبيح في الحقيقة، فالواجب إذا وصفت بأنها تسبّح، أن يحمل ذلك على أنها تدل على تنزيهه تعالى⁣(⁣١)، فمن حيث حلت محل من يظهر ذلك بقوله، فهذا هو المراد بقوله، {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}⁣[١]

  ٧٤٨ - وأما قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ}⁣(⁣٢) فإنه من أقوى ما يدل على إبطال قول من يثبت للّه تعالى علما وقدرة وسمعا وبصرا وصفات في الأوّل، لأنها لو كانت في الأول - على ما يقولون - لم يكن هو الأول من حيث وجد معه غيره!

  فإن قال: هذه الصفات ليست غيرا له، وهي داخلة في الاسم الذي يذكرونه، فيصح من هذا الوجه أن يكون هو الأول، فهذا باطل، لأنا قد بينا في غير موضع أن إطلاق لفظة الإله لا يدخل تحته إلا ذاته تعالى، دون ما يدعونه من الصفات⁣(⁣٣). وبينا أن الصفات يجب أن تكون غيرا له، لأنها مخالفة له، ويجوز عليها ما لا يجوز عليه، ومميزة ببعض الأذكار منه تعالى إذا ذكرناه بأسمائه، وذلك يحقق ما ذكرناه من الدلالة.

  وقوله تعالى: {وَالْآخِرُ} يدل على أن سائر الموجودات في بعض الأحوال تفنى ويبقى وحده موجودا، على ما نقوله من أنه تعالى يفنى العالم.


(١) انظر الفقرة: ٥١٣.

(٢) قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الآية: ٣.

(٣) انظر ص: ١٩٥ فما بعدها من شرح الأصول الخمسة.