متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة «ن»

صفحة 663 - الجزء 2

ومن سورة «ن»

  ٧٨٨ - [قوله تعالى]: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٣٤ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}⁣[٣٤ - ٣٥] يدل على ما نقوله في الوعيد؛ لأن الأمر لو كان كما تقوله المرجئة، لكان لا يمتنع في كثير من المجرمين أن يجعل حالهم في إدخال الجنة، كحال المسلمين، وقد شرحنا ذلك من قبل ١.

  ٧٨٩ - وأما تعلق المشبهة بقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}⁣[٤٢] فبعيد، وذلك أنه ليس في الظاهر إضافة الساق إلى من هو له، لو كان المراد بالساق الجارحة، فمن أين أن المراد إثباته للّه؟

  تعالى عنه! وإنما أراد بذلك أن يبين شدة ذلك اليوم، وعظيم ما ينزل فيه على أهل العقاب عند المحاسبة، فقال تعالى هذا القول على طريق العرب في هذا الباب.

  وقوله: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} لا يجوز تعلق المجبرة به في تكليف ما لا يستطاع؛ لأن الغرض بذلك ليس هو التكليف، لأن الآخرة لا يصح فيها ذلك. والمراد به: التبكيت على تقصيرهم فيما كلفوه من السجود، وبيان أنهم لا يمكنهم تلافى ما فرطوا فيه من قبل.

  ٧٩٠ - وقوله: {وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ}⁣[٤٣] يدل على أنهم في حال التكليف، كانوا سالمين من الموانع، ممكّنين منه، فعدلوا عنه، فلحقهم العذاب.

  ٧٩١ - وأما قوله تعالى: {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}⁣[٥٠] فقد مر الكلام في نظائر ذلك، وبينا تأويله⁣(⁣١).


(١) انظر الفقرات: ٥٢، ٧٦، ١٠٣.