متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة المدثر

صفحة 670 - الجزء 2

ومن سورة المدثر

  ٨٠٨ - قوله تعالى: {وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ}⁣[٣١] فلا يدل على أن الملائكة يعذبون، ولا على أنه - تعالى - يجعلهم فتنة، لكي يكفر الكافر، وذلك أنه تعالى بين أنه جعلهم أصحاب النار، بمعنى أنه وكلهم بتعذيب أهل النار، ولو حمل الأمر على خلاف ذلك، لوجب ألا يدخل النار سواهم، وأن يكونوا معذبين، وهذا بخلاف دين المسلمين! وبيّن تعالى أن القدرة التي ذكرها منهم، على قلتها، جعل الاكتفاء بها دلالة على قدرته، وألزم من هذا الوجه الاستدلال على ما هو عليه، وشدد فيه المحنة، فصار ذلك فتنة للذين كفروا، وجعلهم كذلك، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب، من حيث يعلمون بهذا الخبر أنه، ، لا يخبر إلا عن وحى، من حيث توافق ذلك، وليزداد الذين آمنوا إيمانا. وكل ذلك يدل على أنه - تعالى - يفعل هذه الأمور ويخبر عنها؛ ليعتبر الخلق، ويستدلوا، ويقوموا بما كلّفوا.

  ٨٠٩ - وأما قوله: {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[٣١] فقد تقدم القول في مثله، وأن المراد بذلك الضلال عن الثواب، والهدى إليه⁣(⁣١).

  ٨١٠ - وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}⁣[٣٨] يدل


(١) انظر الفقرة: ٢٢.