متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الليل

صفحة 692 - الجزء 2

ومن سورة الليل

  ٨٥١ - قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ٧}⁣[٥ - ٧] لا يدل على أنه تعالى ييسر لمن هذا حاله الإيمان فقط، ولمن كذب بالحسنى الكفر فقط، و [ذلك] لأن المراد باليسرى غير مذكور مفسّر، ويحتمل أن يراد به الإيمان، ويحتمل أن يراد به الثواب، فلا ظاهر له في هذا الوجه الذي قالوه.

  والمراد به: الثواب والعقاب، فبين تعالى أن من اتقى وصدق بالحسنى، فسنعد له اليسرى الذي هو الثواب، ونعد لمن كذب بالحسنى العقاب.

  ٨٥٢ - وقوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ١٤ لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ١٥ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}⁣[١٤ - ١٦] فلا يدل على أنه لا يدخل النار إلا الكافر، على ما يقوله الخوارج وبعض المرجئة، وذلك لأنه تعالى ذكر تلك النار ولم يعرفها، فالمراد بذلك نارا من جمل النيران، لا يصلاها إلا من هذا حاله؛ لأن من النيران دركات، على ما بينه تعالى في سورة النساء في شأن المنافقين⁣(⁣١)، فمن أين أن غير هذه النار لا يصلاها قوم آخرون من كفار وفساق؟. وبعد، فإن ذلك يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذّب وتولى وجمع بين الأمرين، ولا بد للقوم من القول بخلافه، لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات وإن لم يكذّب.


(١) قال تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} الآية: ١٤٥.