متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

896 - مسألة في أنواع اللطف وأقسامه

صفحة 720 - الجزء 2

٨٩٦ - مسألة في أنواع اللطف وأقسامه⁣(⁣١)

  اعلم أن الذي ذكرنا حده ينقسم: ففيه ما يكون من فعل المكلّف. وفيه ما يكون من فعل المكلّف. وفيه ما يكون من فعل غيرهما. فما يكون من فعل المكلف تعالى فلا بد من أن يفعله؛ لأنه بالتكليف قد التزم فعله، كما التزم الإقدار على ما كلفه والتمكين منه. وهذا نحو ما يفعله تعالى من الآلام والشدائد والمحن، وسائر ما يعلم تعالى أنه متى لم يفعله بالمكلف لم يختر الطاعة، وإذا فعله به اختارها، أو اختار أن لا يفعل المعصية.

  ثم ينقسم ذلك: ففيه ما يكون نازلا بالمكلف، كالألم الذي يخصه. ومنه ما يكون نازلا بغيره، نحو الآلام للأطفال؛ لأنها لا بد من أن تكون لطفا لغيرهم. وهذا اللطف هو الذي لو لم يقع منه تعالى لخرج المكلف من أن يكون مزاح العلة من قبله، ولوجب أن لا يستحق من قبله العقاب، لأنه صار من هذا الوجه كأنه أتى من قبله لا من نفسه، فما اختاره من المعصية بمنزلته لو ألجأه إلى المعصية، أو منعه من الطاعة.

  وما يكون من فعل المكلف، فإنما يجب عليه تعالى إذا هو كلف أن يمكنه من ذلك الفعل، على الوجه الذي اختاره، وكان لطفا في سائر ما كلفه. فمتى فعل ذلك فقد أزاح العلة، فإن لم يفعله ولم يفعل لأجل عدمه سائر الواجبات، فقد أتى من قبل نفسه في كلا الوجهين، لأنه يمكن أن يفعل الأول ويفعل الثاني، فإذا حصل به ولم يختر الثاني لأجله، فهو المقصر، وإلا فاللّه تعالى قد أزاح العلة.


(١) انظر المغنى: ١٣/ ٢٧.