متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

898 - مسألة في بيان المفسدة:

صفحة 723 - الجزء 2

  المكلف، أو يجوز أن لا يتعبد بها؟ فإن قلتم: يجب أن يتعبد بها. فكيف قولكم فيما يختاره من أفعاله تعالى إذا حل محل النوافل منا، واجب أم لا؟

  فإن قلتم إنه واجب، سوّيتم بينه وبين ما يكون إزاحة لعلة المكلف، وإن نفيتم وجوبه، لزمكم عليه أن يجوز أن لا يبعثه تعالى بالنوافل البتة!

  قيل: إنه يجب إذا كلف تعالى أن يبين للمكلف النوافل، لا من حيث كانت ألطافا، وإزاحة لعلته فيما كلف، لكن لوجه آخر، لأنه متى لم يبين ذلك اعتقد في النوافل أن فعلها كتركها، على ما يقتضيه العقل، فيكون في حكم المعرض للجهل، وذلك لا يحسن منه تعالى، كما لا يحسن أن يخاطب بالعموم ويؤيد الخصوص، ولا يدل عليه. وهذا المعنى لا يتأتى في أفعاله تعالى إذا كان سبيلها سبيل النوافل، فيجوز أن لا يفعلها. وقد أسقط ذلك سائر ما أورده السائل في سؤاله.

٨٩٨ - مسألة في بيان المفسدة⁣(⁣١):

  اعلم أنه تعالى إذا كلف، فلا بد من أن يجنب المكلف من كل ما يكون مفسدة له في التكليف، حتى يكون مزيحا لعلته. ولو لم يفعل تعالى ذلك لكان بمنزلة أن لا يفعل اللطف، في قبح التكليف.

  والمفسدة: هي ما عنده يختار المكلّف المعصية، والإخلال بالطاعة، ولولاه لكان لا يختارها.

  وهي تنقسم إلى أقسام ثلاثة: فما يكون فعل المكلف - لو وقع - فالواجب أن لا يفعله تعالى وإلا قبح التكليف. وما يكون من فعل المكلّف، فإنما يجب عليه تعالى أن يمكنه من أن لا يفعلها، ويعرفه حالها إذا كان الوجه في كونه


(١) انظر المغنى: ١٣/ ٢٣، وص ١١٦. شرح الأصول الخمسة ص ٧٧٩ - ٧٨٠.