899 - مسألة في المعونة وما يتصل بها
  مفسدة أن تقع باختياره، فأما إذا كان المعلوم أنه يكون مفسدة على كل حال، فلا بد من أن يمنعه تعالى منها إذا كان المعلوم أنه بالمنع يمتنع، فأما إن علم من حاله أنه يمتنع بلا منع، فليس ذلك بواجب، لأن الغرض ألا يقع باختياره، أو يمنع المانع له.
  فإذا كان من فعل غير المكلّف والمكلّف، فلا بد من أن يكون المعلوم أنه لا يفعله، أو يمنعه تعالى منه. ولذلك قلنا إنه تعالى لو علم من حال بعض العباد أنه إذا علم المعجز الذي هو القرآن، سافر به إلى حيث لم تبلغه الدعوة، وادعاه معجزا لنفسه، واستفسد به العباد، أنه يجب أن يمنعه تعالى من ذلك. وإن كان المعلوم أنه لا يستفسد لم يجب المنع. فأما العبد إذا أضلّ غيره بالدعاء إلى الضلال، فإنما لم يجب المنع منه، لأنه قد كلف الامتناع من ذلك، فامتناعه باختياره ولا مصلحة له.
  ولأن لولاه لكان لا يفسد ابتداء أو بغير ذلك، ولهذا قال شيخنا أبو علي، |: إنه تعالى لو علم من حال إبليس أنه عند دعائه يضل العباد على وجه لولاه لكان لا يضل، لمنعه من ذلك الإضلال!
٨٩٩ - مسألة في المعونة وما يتصل بها
  واعلم أن العبد لا يكون معانا بأن يمكن من الفعل فقط بالقدرة وغيرها، لأن ذلك لو صح لوجب أن يوصف تعالى بأنه معين للبهائم والمجانين، كما وصف بأنه معين للمكلف، ولوجب أن يوصف بأنه أعانه على الكفر إذا أقدره عليه، كما يوصف بذلك إذا أقدره على الإيمان، على بعض الوجوه. فعلم بذلك صحة ما قلناه.
  وذلك يوجب أن يكون التمكين إنما يكون معونة لأمر زائد على كونه تمكينا، وهو أن يقصد تعالى بفعله أن يختار الممكن الطاعة، فمتى فعله على هذا الوجه، وصف التمكين بأنه معونة، ولولا ذلك لم يوصف بهذا الوجه.