المقدمة الثانية [في مصطلح الحديث]
  لا حديث ولا قديم من غير بيان ذلك وانتصر كل منهم لمذهبه بأحاديث ورجح رواة حديث إمامه ورد على من ضعفهم.
  وقد تفاحش التعصب في ذلك بين فقهاء المذاهب حتى قدح بعضهم في أحاديث صحيحة، وقوى أحاديث واهية انتصاراً للمذهب.
  قال ابن الجوزي في خطبة كتابه التحقيق: «وأنا لا أعيب ذلك على الفقهاء الخلص لكني أعيبه على من ارتكبه وهو يعلم الآثار، فإنك تجد جماعة منهم يقدحون في الرواة إذا رووا ما يخالف مذهبهم، وتراهم يحتجون بهم إذا رووا ما يوافق مذهبهم وينسون القدح السابق». قالوا: وقد وقع ابن الجوزي فيما عاب، و نهى عن خلق وأتى مثله بلا شك ولا ارتياب.
  ومن كملت له معرفة أحاديث الأحكام، ومعرفة تخاريجها، وما قاله أئمة الآثار فيها فقد التحق بعلماء الفقه والحديث، وصار جامعا للفنين، ومحصلا لهاتين المنقبتين.
  واعلم أن المعتنين بأحاديث الأحكام من جميع أهل المذاهب لا يذكرون في كثير من المواضع إلا نفس الحديث، إذ هو موضع الحاجة ويحذفون اسم الراوي، ويقولون: حديث كذا، أو خبر كذا، فتعسر بهذا طلب الحديث من المسانيد على الفقيه المجرد لأنه لا يعرف مظنته، ويصعب تعيين عين ذلك الراوي - الذي حذف اسمه - على المحدث إذا تعددت طرق ذلك الحديث، لأنه لا يدري أيها مراد من يخرج حديثه، وقد يكون بعض تلك الطرق صحيحاً وبعضها حسناً وبعضها ضعيفاً وبعضها باطلا.