مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[معاني القضاء في اللغة]

صفحة 152 - الجزء 1

  يستطيعون أن يفسدوا ولا يستطيعون أن يصلحوا، فقد كلفهم الله سبحانه الإصلاح، فهذا قولنا - يعني نفسه زعم.

[معاني القضاء في اللغة]

  الجواب قال أحمد بن يحيى @: إنّا نقول: إن الله ø ذكر القضاء في كتابه في ثلاثة مواضع من القرءان، وكل قضاء منها لا يشبه الآخر في معناه، وكل واحد منها له معنى غير معنى الآخر:

  أما واحد منها: فهو قضاء خبر، أخبرهم الله به أنه يكون من اختيارهم، واتباع أهوائهم، وهو قوله ø: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}⁣[الإسراء: ٤]، أي: أعلمناهم، والإعلام غير الحتم والقسر.

  والقضاء الثاني: قوله جل ثناؤه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}⁣[فصلت: ١٢]، وهذا قضاء الحتم والجبر الصحيح، الذي لا مخرج لأحد منه، ولا دافع له ولا رادَّ.

  والقضاء الثالث: قوله ø: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}⁣[الإسراء: ٢٣]، وذلك قضاء محكم، لا قضاء حُكمٍ، لا قضاء حتم ولو كان قضاء حتم ما عصاه أحد من جميع خلقه، ولا قدر له على معصية، ووجب أنه ليس في جميع الأرض إلا عابد لله سبحانه كما حتم وجزم، وهذه قاطعة لقولكم واعتلالكم، بقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}⁣[الإسراء: ٤]، لأنه لو كان قضاء حتم، لم يبق على وجه الأرض إلا عابد لله ø، عاصياً كان أو مطيعاً لحتمه وقضائه عليهم، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}⁣[الإسراء: ٢٣]، وكفى بهذا بياناً وقاهراً لحجّتكم!

  ومن الحجة عليه في قوله: أخبروني عمن أخبر الله عنه بهذا الخبر، هل يستطيعون أن لا يفسدوا؟!