[شبهة في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}]
  ثم وقفت عن آخر الكلام الذي فيه الشرط الذي شرط الله ø فلم تذكره حيث قال ø: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩}[الكهف]، فنقول لك: إن الله تبارك وتعالى لما بعث رسله وأنزل عليهم كتبه بالأمر والنهي، والفرائض، والترك للشرك، وجميع الظلم، ووعد الجنة من أطاعه، وأوعد النار من عصاه، وأحكم ذلك كله ووكّده في كتبه، وعلى السنة رسله صلى الله عليهم، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}[الذاريات]، فلما أكّد ذلك الأمر كله بالحكمة البالغة، وجب أن يُعلمهم ø أنه غير جابر لهم ولا قاسر على طاعة ولا معصية، وأنهم مخيّرون بعد الشرط الذي اشترط عليهم، لئلا تكون لهم عليه حجة، وتصديق ذلك قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، وهذا تخيير بعد شرط مشروط، ولا محيص عنه، وليس هو على ما ذهبتَ إليه أنه تخيير لا شرط فيه!
  وقلت: إنه يجوز في لغة العرب أن المخيّر في الشيء لا يلزمه ذنب ولا عليه تبعة، ولعمر الله ما يجوز ذلك في لغة العرب ولا في عقولها ولا تعارفها، إلا أن يكون فيه شرط، فإن العرب تعرف في عقولها ولغاتها أن رجلاً لو قال لرجل: أنا أهب لك أحد فرسّيَّ هذين، أو أحد سيفَيَّ هذين، على أن تخرج إلى البصرة وتأتي منها بُرطَب أزاذ في الشتاء، كان هذا التخيير في الفرسين والسيفين يجوز على انفاذ الشرط.
  فأما لو قال: أنا أهب لك أحد الفرسين أو أحد السيفين تختاره، ولم يذكر له