مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل أراد الله أن يؤمن الناس جميعا]

صفحة 67 - الجزء 1

  فإن قالوا: بلى.

  فقل لهم: أليس الله يريد ويجب أن يكون غير ما يعلم، وقد أحب أن يكون في صفة المخلوق، وتكون أشياء لا يعلمها؟! فقد أحب أن يكون شيء لا يعلمه أنه كائن، فقد أراد وأحب أن يكون غير ما علم، وهذه صفة المخلوق، وقد أحب تبارك وتعالى أن يكون بها، لأنه قد أراد وأحب أن يكون غير ما يعلم، لأنكم زعمتم أنه قد أحب أن يؤمن من يعلم أنه لا يؤمن، فقد أراد أن لا يكون ما علم حتى يكون في صفة من يكون الأشياء لا يعلمها، فإنهم لن يعيدوا لك هذا الكلام.

  واعلم أنه من أشدّ ما يلزمهم إن أحسنت كلامهم فأحسن المسألة، ولا تتركهم يجيبونك بغير ما سألتهم عنه، ولا تنتقل عنها إلى غيرها، فإن فيها ما يفضحهم ولا يجدون مخرجاً.

  الجواب قال أحمد بن يحيى ª: إن الله تبارك وتعالى خلق خلقه كلهم للعبادة، وأراد أن يطاع ولا يُعصَى، وإنه أراد لكلهم الرحمة والنجاة، ودخول الجنة والسلامة من النار، والدليل على صدق قولي، وبيان حجتي، قوله ø: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧}⁣[الذاريات]، وقوله لنبيه ~ وعلى آله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}⁣[الأعراف: ١٥٨]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}⁣[سبأ: ٢٨]، والكافة في لغة العرب فهي: الكل لا البعض، فصحّ وثبت أنه لم يخلقهم للكفر ولا للمعصية ولا للنار، ولا تلك إرادته ولا حكمه، وإنما خلقهم للعبادة والطاعة، لا من حاجة منه إلى ذلك، إذ هو الغني عن كل شيء من خلقه، وإنما خلقهم رحمة لهم وتفضُّلاً عليهم، ودلالة على الوحدانية، وتعريف بالحكمة.