مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل أراد الله أن يؤمن الناس جميعا]

صفحة 68 - الجزء 1

  وجعل فيهم الاستطاعة، وخيّرهم فيها تخييراً، وركّب فيهم المقدرة، وعلم أنهم إن أرادوا كلهم العبادة أنهم يقدرون على ذلك، لما معهم من الاستطاعة، وانهم إن أرادوا المعصية أنهم يقدرون على ذلك، لما معهم من الاستطاعة أيضا، فامتحنهم ø بالأمر والنهي، ليميّز المطيع من العاصي، من غير جهل منه بما يختارون. وجعل الثواب للمطبعين، والعقاب على العاصين.

  ثم خيّرهم تخيراً، ولم يقسرهم قسراً، وقال لهم: من أطاعني ادخلته جنتي، ومن عصاني أدخلته ناري، بعد أمري ونهيي، وإعذاري وإنذاري، وليس واحد من الفريقين مجبوراً على فعله، ولا مقسوراً على عمله، ولا مخلوقاً اكتسابُه، ولا عِلمُ الله تبارك وتعالى فيه وفيها يختار بُمدخلٍ له في معصية، ولا مخرجٍ له من طاعة، فأرسل إليهم الرسل لإثبات الحجة وقطع العذر، لما مكّنهم فيه من الاستطاعة والقوة على قبول الدين، ودلّهم على طريق النجاة، وحذّرهم من طريق الهلكة، وبيّن لهم الحق.

  وقد علم قبل خلق السماوات والأرض من يختار منهم الطاعة ويرغب في الهدى، وعلم من يصدّ منهم عن الحق ويختار الكفر والظلم ويتبع الهوى، وليس عِلمه بذلك منهم يوجب لهم عليه حجة، ولا يزيل عنهم فريضة، ولا يوقع لهم عذراً، ولا يترك لهم إلى الاعتلال سبيلاً، وقد علم ø أن منهم من لا يؤمن، وقد أراد الله ø منهم الإيمان، طوعاً وتخييراً، ولم يُرِدْه منهم قسراً ولا جبراً، لأنه لا يُغلَب إذا أراد الحتم والقهر.

  وقد أدخلتَ يا عبد الله بن يزيد البغدادي قولك: أرأيتم الذي لا يعلم أإله هو؟! وهذه منك مغالطة، وتشنيع وجهل بالعدل، ونحن لم نَقُل إن الله ø لا يعلم ما يكون، ومن قال ذلك فقد كفر وخرج من دين الإسلام، ولعمر الله إن الذي يجهل ما يكون ليس بإله، ولا يسمّي: عالماً، وإن هذه صفة المخلوقين.