مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل أراد الله أن يؤمن الناس جميعا]

صفحة 69 - الجزء 1

  وإنها قولنا الصحيح: إن الله ø العالم الذي لا يعزب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية، في الدنيا ولا في الآخرة، وإنه لما ذكرنا من الشرط في صفة الخلق، وما جعل لهم من الاستطاعة، وندبهم إليه من ترك الهوى، وأرسل إليهم وهو يعلم أن منهم من لا يؤمن، وليس في هذا تجهيل الله ø ولا فساد، لأنه قد علم أن خلقاً من خلقه سيكفرون ولا يؤمنون.

  عَلِمَ الله ø قبل خلق كل شيء أن ذلك الكفر سوف يكون منهم باختيارهم، لا باضطرار اضطرهم الله تبارك وتعالى، ولا خلق أفعالهم، ولا بقهرٍ حملهم عليه، لأنه قد علم أن الكفر لا يكون إلا من كافر، وأن جميع المعاصي لا تكون إلا من العصاة.

  وقد قال في كتابه جل ثناؤه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}⁣[البقرة: ١٠٩]. فأخبرنا ø بعلمه فيهم أن الحسد من عند أنفسهم لا من عنده، ولا من عند نبيه ÷، إلا من عند أنفسهم خاصة، غير مضطرين ولا مجبورين، ولو كان علمه سبحانه مانعاً لهم عن معصية أو طاعة، لما آمن مَن كفر، ولا كفر من آمن، لأنَا وإياك قد رأينا فُسَّاقاً صاروا صالحين، وصالحين صاروا فاسقين، وقد حكم الله سبحانه في كتابه وسابق علمه أن من اضطُرَّ إلى شيء ليس له عنه غنَّى، ولا يستطيع غيرَه أنه له حلال، وليس عليه فيه تباعة من الله جل ثناؤه، ولا إثم ولا عقوبة، ولا عيب ولا لوم، لعدل الله جل ثناؤه، وإتقان حكمته، فقال في غير موضع من كتابه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}⁣[البقرة: ١٧٣]، فإن كان الله ø هو الذي اضطرّ العباد، وحال علمه دون طاعتهم، وحملهم على ما قالت المجبرة.