[شبهة خلق الله للأعضاء التي يعصي بها الانسان]
  قلت لنا - زعمت -: إن بمنة الله عصى العاصون، وكفر الكافرون، وزني الزناة، وسرق السراق، وبفضله ومنته أيضاً أشركوا وعطلوا، وتزند قوا وفعلوا كل فاقرة، وعملوا كل فاحشة، وافتروا كل عظيمة، وقتلوا الرسل وأئمة الهدى والمؤمنين، ولولا تلك المنة والفضل الذي تفضل الله ø به عليهم - زعمت - والمنة التي امتنّ بها، ما فعلوا شيئا من المعاصي - زعمت - ولكن بدء ذلك منه على قولك، فصار مشاركة لهم في أفعالهم. لأنه هو الذي أمدهم بالمنة والفضل، على أن يكون منهم كل ما سخط، وجميع ما كره ونهى عنه، ثم غضب من ذلك الفضل الذي تفضل به عليهم، والمنة التي امتن بها، من الأسماع والأبصار وجميع الجوارح، واشتد غضبه، فأوقد النيران، وأعدها للقوم الذين امتن عليهم، وتفضل بإحسانه عليهم، ولم يُهِنْهم إلا من قبل فضله ومنته، وخلدهم على منته التي امتن بها عليهم، وبفضله الذي تفضل به بين أطباق النيران في العذاب الأليم، الذي لا راحة لهم منه، ولا انقضاء لسرمده، ولا خروج من أبده، ولا راحة لِمُجًرْهده - زعمت - في قولك واعتقادك - عز الله وتعالى عن ذلك!
  أفهكذا ويحك صفة صاحب المنة والتفضل والإحسان؟! - زعمت - أم هكذا يفعل الحكماء الكرام، والرحماء العظام؟! العادلون في الحكم، والصادقون في القول، والبراءة من الظلم؟!
  أم هذا تصديق قوله في كتابه، يؤدب المؤمنين، ويعلمهم الرشد، ويدلهم على الهدى، ويزجرهم عن العبث والخطأ، والفواحش والردى، بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ