مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل دعا النبي الناس إلى شيء يعرفونه جميعا]

صفحة 91 - الجزء 1

  وكذلك يجب على جميع المشركين والظالمين أن يطلبوا العلم ولا يقصروا فيه، ويدخلوا في الحق حتى يصيروا علماء، وإنما عاب الله ø عليهم أنهم لا يعلمون ولا يبصرون ولا يسمعون، وأنهم صم بكم عمي، إذ تركوا ذلك الذي أُمروا به، مكابرة ومعاندة، وسمَّاهم بكماً وصماً وعُميا، إذ تركوا العلم والحق والرشد، وهم يقدرون على طلبه وأخذه، والدخول فيه، والتعلم له من رسل الله À، ومن أوصيائهم من بعدهم، ومن العلماء في كل عصر.

  ولو كانوا عمياً وصماً وبكماً لا يسمعون الأصوات، ولا يفقهون كلام الرسل، ولا يعرفون تاديتها لدين الله ø وتبليغها، ولا ما تدعو إليه من كتب ربها، ما كان عليهم لله ø حجة، ولا لزمهم عذاب أبد الأبد، إذ كانوا صما وبكما لا يعقلون، ولا يسمعون ما دُعوا إليه من دين الله جل ثناؤه.

  والدليل على ذلك في حكم جميع أهل الإسلام، أنه لا حجة على الأصمّ فيما لا يسمع، ولا على الأعمى فيما لا يبصر، ولا على الأبكم فيما لا يعقل، ولا على الأعرج، ولا على الُمقعَد، وقد عذرهم الله ø في القرءان، فقال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}⁣[المؤمنون: ١١، الفتح: ١٧]، فقال: ليس على الأعرج حرج، ولا على المريضي حرج، وأما المعتوه فهو الذي لا يعقل، فليس يلزمه في الحكم أن يُجلَد إن زنى، ولا يُقتل إن قَتل، ولا تُقطَع يده إن سرق، ولا يؤاخذ على شيء من جميع فعله. وكذلك لا جهاد على الأعرج، ولا على الأعمى، ولا على المريض، هذا المعروف في حكم الإسلام، الذي لا حيلة لك فيه.

  وقد بان جهلك، وصح خطاؤك، وكذبك على الله ø، إنه لو كان القوم الكفّار الذين ذكرتَهم، وقمت بعذرهم، وألزمتَ الله ø الجورَ في عذابهم، إذ كانوا صماً وبكماً لا يعلمون، ولا يعقلون على الحقيقة لا على المجاز، ثم عذّبهم الله