مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[مقدمة المؤلف]

صفحة 57 - الجزء 1

  ثم قال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤}.

  فلو كان هو ø الذي قدّر عمل الفريقين، وفعَل فِعلَ الطائفتين، ونزّل الجميع الَمنزلتين، ابتداءً منه من غير استحقاق لثواب، ولا أخذٍ بجُرم اكتسبوه يوجب (العقاب، لم يكن لإرساله رسله، ولا لإنزاله كتبه، إلى أهل الدارين معني! ولم يكن في ذلك) حكمة بعد تنزيله لهم في منزلتيهم، وتقديره ذنوبهم عليهم، وجعل بعضهم مؤمناً وبعضهم كافراً، ثم كلّفهم الخروج مما قدّر، والدخول فيما لم يُرِد، بعد إبرام المشيئتين، وسابق القضيتين، حاشا للعلي العظيم، والعدل البر الحكيم، والرؤوف بعباده الرحيم، والجواد بطَوله الكريم، والقدوس في وحدانيته القديم، مما قال المفترون، ونسب إليه المبطلون.

  لو كان ذلك لسقطت الحكمة عمن تسمَّى بالحكمة، ونفي عن نفسه الظلم، وأمر بالعدل، وحض على النصَفة والجود والكرم، ودعا إلى الحَسَن، وحذّر من القبيح، وعاب الفساد، وعاقب على الجور.

  فهل يُدخل حكيم فيما عاب، أو يفعل ما كره، أو يقضي ما عنه نهى، أو يحول دون ما إليه دعا، أو يصد عا به ابتدأ؟! عزَّ عن ذلك رب العالمين! وعظُم عما قال المجبرون! وأسنده إليه المعتدون، لا إله إلا هو رب العرش العظيم.