مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[حجة العقل والكتاب والرسول]

صفحة 101 - الجزء 1

[حجة العقل والكتاب والرسول]

  فإنا نقول لك: إن الله تبارك وتعالى كلّف العباد الفرائض، وجعل فيهم استطاعةً بيّنة مركّبة، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وأمرهم ونهاهم، بعد كمال العقول، وقسمه لها بينهم بالسوية، ولذلك صارت الفرائض عليهم واجبة بالسوية، إلا أن تقول يا عبد الله بن يزيد البغدادي ومن قال بقولك: إن لبعض الناس عينين ونصفاً، ولبعضهم عينين إلا ربع، فكُلّف هذا من الفرض ما لم يكلف الآخر.

  ومثل ذلك لو أن رجلاً كان له مائة عبد، فدفع إلى كل عبد منهم ديناراً، وأمره أن يأخذ له بذلك الدينار مِسكاً، والمسك حينئذ مثقال بدينار، فذهب كل واحد منهم فجاءه بمثقال مسك بدينار، لأنه لم يفاوت بينهم في العطاء، ولم يرخّص لأحد منهم فيها دون المثقال للأداء، فهل يجوز في الحكمة عندك، أو يثبت في العدل، أو يقع عليه الأوهام، أنه لو عاقب كلهم أو بعضهم أنه يصحّ له اسم حكمة، أو يثبت له اسم العدل، فهذا وجه.

  ثم نقول لك: لو أنه دفع أيضاً إلى كل واحد منهم ديناراً مرة أخرى، وأرسلهم يأتونه بذلك المسك على الشرط من الوزن وهو مثقال بدينار، فجاءه واحد منهم بنصف مثقال، وجاءه الآخر بمثقال إلا ربع، وجاءه الآخر بمثقال إلا سدس، وجاءه الآخر بثلثي مثقال، وجاءه الآخر بمثقال على الوفاء، بعدما ساوي بينهم في العطاء، وكلّفهم أن يأتوا بوزن واحد على ما رسم وبه أمر، ثم رضي عنهم جميعاً، أو جعل ثواب المحسن مثل ثواب الُمسيء، هل يجوز عندك أن ينسب هذا إلى الحكمة والعدل والصدق، وإنفاذ القول الذي شرط على نفسه، ولا سيما إن كان القائل قال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣[ق]، وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ١٢٢}⁣[النساء]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ١٢٢}⁣[النساء]، وقوله: