مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[تفاوت معارف الخلق]

صفحة 103 - الجزء 1

  لنا معنى غير صحة الجوارح والعقول، وإرسال الرسل وإنزال الكتب، فإنك لا تقدر على غير ذلك أبداً، إلا دعواك على الله ø، وفريتك عليه أنه قَسَرَ بعضهم على الإيمان كما أحب، وقسر بعضهم على الكفر كما أحبّ، وهذا خلاف القرآن وردُّه صراحاً، وهو مكابرة العقول، والإعراض عن النصفة، والتعامي والتجاهل عن الحق، وحب الرئاسة.

  قال أحمد بن يحيى ª: وأما قولك: إنك تسألنا - زعمتَ - فتقول لنا: أليس قد أعطوا كلهم أن يعلموا ما يعلم الأنبياء والمؤمنون من توحيد الله سبحانه؟

  فإن قلنا: نعم، رددت علينا - زعمت - ما ذكر الله سبحانه في كتابه، من الذين لا يعلمون، ومَن ذكر أنهم لا يبصرون، ومن ذكر أن {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}⁣[النجم: ٣٠]، فإنا - زعمتَ - سنرجع عما أعطيناك، ونترك هذا الكلام، وقد أعلمناك أنك تفرّح نفسك، وضربنا لك مثل النهر والأُسود.

[تفاوت معارف الخلق]

  ونحن نقول: إن معرفة الأنبياء $ بتوحيد الله ø، وبمعالم دينه أكثر من معرفة الخلق، وشاهد ذلك قوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ٧٦}⁣[يوسف]، وقوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}⁣[الإسراء: ٥٥]، وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}⁣[الأنبياء: ٧٣]، وما خصّ الله جل ثناؤه به الرسل وفضّلهم به على غيرهم، فذلك أمر غير منكر، لما قلّدهم من القيام بمعالم دينه، وجعل حاجة الخلق إليهم، ولو كان الأمر في العلم والمعرفة سواءً في الأنبياء والأمم، لم يكن بين العالمِ والمتعلم فرقٌ، ولم يكن الأنبياء $ أولى بالمعرفة من العوامّ، وهذا ما لا يقاس، ولا يذكره أحد من أهل المعرفة.