مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[القياس يشهد ببطلان زعم المجبرة]

صفحة 142 - الجزء 1

[القياس يشهد ببطلان زعم المجبرة]

  ومما يدل على ذلك من القياس، أن الأمر لو كان على ما ادّعت المجبرة من كذبها على الله ø، من أن الاستطاعة مع الفعل تحدث في حال الفعل، لكان الكافر لا يؤمن أبداً حتى تأتيه استطاعة الإيمان، وكانت الاستطاعة لا تأتيه أبداً وهو كافر بالله، لأن الكافر لا يستحق من الله جل وعز لطيفةً ولا مادة ولا معونة، ولو كان هذا هكذا، لما جاز أن يؤمن كافر أبدا بوجه من الوجوه، حتى تأتيه مادة من الله ø تجبره على الإيمان. ألا ترى أن رجلاً لو كان في بئر فقيل له: إنك لا تخرج من هذه البئر أبداً حتى تؤتي بحبل، ولن تؤتي بحبل وأنت في البئر، لما جاز في المعقول أن يخرج ذلك الرجل من تلك البئر أبداً على هذا الشرط بوجه من الوجوه!

  وكذلك إذا كان الكافر لا يؤمن أبداً حتى يُؤتَي باستطاعة ينال بها الإيمان، ولن يؤتى باستطاعة الإيمان وهو كافر عدوّ لله ø. ويلزم في ذلك أنه قد جُبر على الإيمان جبراً، فلا يكون له أجرٌ ولا حمد.

  فإن قال قائل: فإن استطاعة الإيمان قد تأتيه وهو كافر؟

  قلنا له: فهذا يوجب لنا عليكم تقدم استطاعة الإيمان قبل الفعل، وهو قولنا، قد رجعتم إليه وتركتم قولكم، فافهم هذه الحجة، فلا مخرج لهم منها بحيلة من الحِيَل.

  ثم نقول لهم: ما تقولون في قول الله ø: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}⁣[التوبة]، خبّرونا عن هؤلاء القوم الذين تخلّفوا عن الخروج مع النبي ~ وعلى آله، فكذّبهم الله ø فيما قالوا؟

  فإذا قالوا: نعم.