الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام مع صاحب الرسالة مفصلا]

صفحة 142 - الجزء 1

  وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ فِي شَيءٍ، فَكَيْفَ تَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا مِنَ الْمُحَادَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالْمُخَالَفَةِ لِدِيْنِهِ، وَابْتِدَاعِ دِيْنٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.

  قَالَ: «وَمِنْ أَعْظَمِ الْمُحْدَثَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ: الصَّلَاةُ عِنْدَهَا، وَاتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ، وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا.

  وَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ عَنِ النَّبِيِّ ÷ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَالتَّغْلِيْظِ فِيْهِ».

  الجَوَابُ: أَنَّ جَعْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ يَحْتَاجُ إِلَى بُرْهَانٍ قَاطِعٍ.

  وَدَعْوَى التَّوَاتُرِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى بَيَانٍ.

  قال: «فَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ⁣(⁣١) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهْوَ يَقُولُ فِي حَدِيْثٍ - فَسَاقَهُ إِلَى أَنْ قَالَ -: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيْهِم مَسَاجِدَ، أَلَا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ؛ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».

  ثُمَّ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.

  الجَوَاب: أَوَّلًا: إِنْ سُلِّمَ صِحَتُّهَا فَهْيَ مُصَرِّحَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ القُبُورِ أَنْفُسِهَا


= وعمر كان في تلك الحجرة، فعائشة كانت تصلي عند القبور بإجماع الأمة. والمعلوم بالضرورة أنَّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم وآرائهم من سنة ثمان وثمانين هجرية تقريبًا بعد توسعة المسجد النبوي وإدخال الحجرة الشريفة في المسجد الشريف - وفيهم بقايا الصحابة، وأئمة أهل البيت $، وكبار علماء الأمصار والمذاهب -، متتابعون ومواظبون أشدَّ المواظبة على الصلاة في المسجد النبوي الشريف إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة إن شاء الله تعالى، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم إنكار أو إبطال للصلاة. وروى الحاكم النيسابوري في (المستدرك) (١/ ٥٣٣)، رقم (١٣٩٦) بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ ÷ كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَتُصَلِّي وَتَبْكِي عِنْدَهُ). قال الحاكم: «هَذَا الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ فِي الْحَثِّ عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ تَحَرِّيًا لِلْمُشَارَكَةِ فِي التَّرْغِيبِ، وَلِيَعْلَمَ الشَّحِيحُ بِذَنبِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ أَجْمَعِينَ».

(١) صحيح مسلم برقم (١١٨٨)، ط: (العصرية).