الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في تجصيص القبور، والبناء عليها، وزخرفتها، وتسريج السرج عليها، والصلاة فيها]

صفحة 137 - الجزء 1

[بحث في تجصيص القبور، والبناء عليها، وزخرفتها، وتسريج السرج عليها، والصلاة فيها]

  هَذَا وَأَمَّا تَجْصِيْصُ القُبُورِ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، وَزَخْرَفَتُهَا، وَتَسْرِيْجُ الْسُّرُجِ عَلَيْهَا، وَالصَّلَاةُ فِيْهَا، فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ نَظَرِيَّةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَلَّلَ بِهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُفَسَّقَ أَوْ يُكَفَّرَ، فَغَايَةُ الأَمْرِ أَنَّ فِي ذَلِكَ نَهْيًا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّهْيَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيْمِ وَلَيْسَ نَصًّا، وَإِذَا عَارَضَهُ مَا يَقْتَضِي صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا حَجْرَ وَلَا مَنْعَ، وَالوَاجِبُ: إِعْمَالُ الأَدِلَّةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا مَا أَمْكَنَ.


= «أَنَّ التَّوَسُّلَ به ÷ يكون في حياته وبعد موته، وفي حضرته ومغيبه. ولا يخفاك أنَّه قد ثَبَتَ التوسل به ÷ في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعًا سكوتيا؛ لعدم إنكار أحد منهم عَلَى عُمَرَ (رض) في تَوَسُّلِهِ بالعباس ¥.

وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي ÷ كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول: ما عرفناك به من إجماع الصحابة ¤.

والثاني: أَنَّ التوسُّلَ إلى اللَّهِ بأَهْلِ الفَضْلِ والعِلْم هو في التحقيق تَوَسُّلٌ بأعمالِهِم الصالحة، ومزاياهم الفاضلة؛ إذ لا يكونُ الفاضلُ فاضلاً إلَّا بأَعماله.

فإذا قال القائل: اللهم إنِّي أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أَنَّ النبيَّ ÷ حَكَى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أَنَّ كلَّ واحدٍ منهم تَوَسَّلَ إلى الله بأَعْظَمِ عَمَلٍ عَملَهُ، فارتفعت الصخرةُ، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شِرْكًا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام، ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة من الله لهم، ولا سَكَتَ النبيُّ ÷ عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم.

وبهذا تعلم أنَّ ما يورده المانعون من التوسل إلى الله بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، ونحو قوله تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، ونحو قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبيٌّ عنه؛ فإنَّ قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} مُصَرِّحٌ بأَنَّهم عَبَدُوهم لذلك، والمتوسِّلُ بالعالِمِ مَثَلاً لَم يَعْبُدْهُ، بل عَلِمَ أَنَّ له مزيةً عند الله بحمله العلم فتوسَّلَ به لذلك، وكذلك قوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} فإنَّه نَهَى عن أَنْ يُدْعَى مع اللَّهِ غيره، كأن يقول: يا أللَّهُ ويا فلان، والمتوسِّلُ بالعالِمِ مَثَلاً لم يَدْعُ إلاَّ اللَّهَ، وإنَّمَا وَقَعَ منه التوسُّلُ إليه بِعَمَلٍ صالِحٍ عَملَهُ بعضُ عباده، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم، وكذلك قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِي} الآية، فإنَّ هؤلاء دَعَوا مَنْ لا يَستجيبُ لهم، ولم يَدْعُوا رَبَّهُم الذي يَستجيبُ لهم، والمتوسِّلُ بالعالِمِ مَثَلاً لم يَدْعُ إلاَّ اللَّهَ، ولم يَدْعُ غَيْرَهُ دونه، ولا دعا غيرَه معه»، إلخ كلامه.