الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الصلاة عند القبور]

صفحة 145 - الجزء 1

  فَقَدْ عَمِلَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ التَّسْرِيْجَ عِنْدَهَا؛ لِلْزِّيَارَةِ وَالتِّلَاوَةِ.

  فَإِنَّ صَحَّ الْحَدِيْثُ فَيُحْمَلُ عَلَى وَضْعِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لاِقْتِرَانِهِ بِعِبَادَتِهَا وَقَوْلِ الْهُجْرِ عِنْدَهَا، لَا لِمُطْلَقِ التَّسْرِيْجِ.

  ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْحَدِيْثَ آحَادِيٌّ لَا يُفِيْدُ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْمُحَادَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ÷.

[الصلاة عند القبور]

  قَالَ: «وفي البُخَارِيِّ⁣(⁣١) أنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: القَبْرَ القَبْرَ».

  الْجَوَابُ: أَنَّ فِعْلَ أَنَسٍ يَنْقُضُ مَا ادَّعَيْتَهُ مِنَ الإِجْمَاعِ عَلَى النَّهِي، وَقَوْلُ عُمَرَ لَا حُجَّةَ فِيْهِ وَلَا دَلَالَة⁣(⁣٢).

  قَالَ: (وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الْخُدْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ»).

  الْجَوَابُ: هَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ مَا خَرَّجْتَهُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَقَابِرِ لِلإِشْرَاكِ؛ إِذْ قَدْ قَرَنَهَا بِالْحَمَّامِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيْهِ ذَلِكَ.

  وَهْوَ يُفِيْدُ أَنَّ الْمُرَادَ - بِاتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا - الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَفِيْهِ نَقْضٌ لِمَا أَبْرَمْتَ.

[حديث «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِليْهَا»]

  قَالَ: (وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القَبْرِ، فَلَا يَكُونُ القَبْرُ بَيْنَ


(١) صحيح البخاري (ص/٩١) ط: (العصرية) في (باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ).

(٢) قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (١/ ٦٩٠) في الكلام على أثر عُمَرَ هذا: «الدَّال عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لاَ يَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلاَةِ، ... ، وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ): اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تَمَادِي أَنَسٍ عَلَى الصَّلاَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَهَا لَقَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ».