صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في تعليق الحكم بالغاية؛ هل يدل على أن ما بعد الغاية بخلافه أم لا؟]

صفحة 132 - الجزء 1

  ومثال المسألة: قوله سبحانه: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}⁣[النساء: ٢٣]، فلو لم يجب قصره لم يكن له فائدة، وكذلك قول القائل: إن دخل زيد الدار فأعطوه ديناراً؛ فإنه يدل على نفي الإعطاء إذا عدِم الدخول.

  فإن قيل: وما المانع من جواز ذلك بدليل أنه إذا قال وإن لم يدخل فأعطوه أيضاً ديناراً لم يعد مناقضاً.

  قلنا: إنه وإن لم يعد مناقضاً عد عابثاً لتعري الشرط عن الفائدة، والحال هذه، ومثل ذلك لا يكون في الخطاب الشرعي الشريف.

مسألة: [الكلام في تعليق الحكم بالغاية؛ هل يدل على أن ما بعد الغاية بخلافه أم لا؟]

  تعليق الحكم بغاية يدل على أن ما بعد الغاية بخلافه، وهو قول الجمهور؛ ويحكى خلافه عن أبي رشيد⁣(⁣١).

  واختيارنا هو الأول.

  والذي يدل عليه: أنه لو لم يدل على أن ما بعد الغاية بخلافه لانْتَقَضَ كونها غاية، وما أدى إلى نقض فائدة الخطاب وإخراجه عن بابه لم يجز استعماله.

  ومثال المسألة: قوله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}⁣[البقرة: ١٨٧]، فإنه يفيد زوال إباحة الأكل والشرب بطلوع الفجر الذي هو الغاية، ويفيد زوال وجوب الصيام بدخول الليل إذ هو الغاية، فلو لم يكن ما بعده بخلافه لم يكن غاية الفعل بل كان وسطاً وذلك لا يجوز.


(١) أبو رشيد سعيد بن محمد النيسابوري، من أصحاب قاضي القضاة، وإليه انتهت الرئاسة في المعتزلة بعد قاضي القضاة، وكان بغدادي المذهب، انتقل إلى الري وتوفي بها، وكان قاضي القضاة يخاطبه بالشيخ ولا يخاطب به أحداً غيره، وله مؤلفات منها ديوان الأصول وغيره.