مسألة: [الكلام في إثبات أن القياس أحد أدلة الشرع]
  ومنهم من قال: لو جاز التعبد بالقياس اعتبر أن القياس طريقه الظن دون العلم فلا يجوز استعماله، وهو المحكي عن داود(١).
  ومنهم من قال: إن الله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يقتصر بالمكلف على أدون البيانين دون أعلاهما، والنص أعلى البيان من القياس، فلا يجوز العدول عنه إلى القياس.
  ومنهم من قال: إن التعبد بالقياس يؤدي إلى جواز التعبد بالأحكام المتضادة المتنافية.
  ومنهم من قال: التعبد به جائز، ولو ورد لقلنا به، ولكنه لم يرد، فهذه ست مقالات في المنع من القياس ينبغي أن نتكلم عليها أولاً قبل الكلام في أمر القياس.
  فالذي يدل على بطلان المقالة الأولى: أنا نقول إن الشرع ورد على وجه يقتضي بصحة القياس؛ لأنه يوجب أن كل أمرين اشتركا في علة الحكم وجب أن يشتركا في ذلك الحكم، وإن اختلفا في الصورة، وما ذكره من أن القياس يوجب المساواة بين المثلين في الصورة غير سديد؛ لأن مبنى التكليف على مصالح استأثر الله بعلمها ولا يمتنع اختلاف المتشابهين في الصورة في باب المصلحة، فلا يكون لمشابهتهما تأثير.
  وأما المقالة الثانية: وهي أن التعبد بالقياس لو جاز في بعض الشرعيات لجاز في جميعها كما في دلالة العقل؛ فالكلام عليها أنا نقول: هذا جمع بين الشيئين من غير علة تجمعهما، وذلك لا يجوز، ولأن هذا قول من لا يعرف القياس؛ لأنه لا بد للقياس من أصل يرجع إليه ليبتني القياس عليه، وهذه المقالة توجب رجوع القياس إلى غير أصل فكأن هذا القائل قال: إن كان التعبد بالقياس صحيحاً أوجب أن يستعمل حيث لا يجوز استعماله، وهذا خُلْف من القول وجرى مجرى من يقول: لو كانت دلالة العقل صحيحة لوجب استعمالها
= وغيرهما - وهو الحسين بن عبيد من أصحاب داود الظاهري لكن خالفه في مسائل قليلة. انظر المنية والأمل.
(١) داود بن علي بن خلف الظاهري، ولد بالكوفة سنة (٢٠٢ هـ)، ونشأ ببغداد، وكان زاهداً ناسكاً، وهو الذي أنكر حجة العقل، وتوفي سنة (٢٧٠ هـ) ببغداد.