مسألة: [الكلام في أن الدليل قد ورد على التعبد بالقياس]
  أحدهما: أنه - عليه وآله السلام - قال له ذلك بعد قوله: فإن لم تجد في الكتاب والسنة، ولا يعقل أن يكون في مقابلته فإن لم تجد في الكتاب والسنة طلبت في الكتاب والسنة؛ لأن ذلك يكون خلفاً من القول.
  والثاني: أنه قال: أجتهد رأيي، ولا يكون ما أخذه من الكتاب والسنة رأياً له ولا لغيره في حياة النبي ÷، وإنما يكون نصاً وتوقيفاً، وليس بعد الكتاب والسنة من الأدلة الشرعية إلا الإجماع، وهو غير معتبر في حياة النبي ÷، والقياس والإجتهاد ولا يجوز أيضاً أن يجعل ما أخذه من دلالة الإجماع رأياً له ولا يسميه الإجتهاد أيضاً؛ لأن الإجتهاد يتضمن المشقة، وليس فيما أخذ من الإجماع مشقة.
  وإنما الإجتهاد والرأي يستعمل فيما طريقه النظر، وقياس بعض الأمور ببعض لوجه من التعليل لأجل المشابهة والطرائق الرابطة فيمتحن فيه نظره وتعبده بغيره، وهذا هو معنى القياس والإجتهاد، وهو الذي يجوز صدور الأحكام الصحيحة عنه، ويجوز تصويب النبي ÷ لمن فعله.
  فأما التخمين والتبخيت فلا يجوز من النبي ÷ ولا من غيره فضلاً عنه #، وهو القدوة في أمر الدين ولا يجوز تصويب من سلكهما في تعرف الأحكام والشرائع؛ لأنه لا يؤمن إفضاؤهما بمستعملهما إلى القبيح، وذلك لا يجوز، ومن ذلك قول النبي ÷ لمعاذ وأبي موسى(١)، وقد أنفذهما إلى اليمن: «بم تقضيان؟»، قالا: إن لم نجد الأمر في السنة قسنا الأمر بالأمر، فما كان
(١) أبو موسى الأشعري، عبدالله بن قيس، قدم مكة قبل الهجرة فأسلم ثم قدم مع جعفر بعد فتح خيبر. أحد الحكمين وخديعة عمرو له مشهورة، روي عن علي # أنه كان يقول في أبي موسى: صبغ بالعلم صبغاً وسلخ منه سلخاً، وكان أمير المؤمنين يلعنه في القنوت ومعاوية وعمراً. توفي سنة اثنتين أو أربع وأربعين. انظر: لوامع الأنوار (ط ٢ - ٢/ ٤٥٦، ٤٦٠)، و (٣/ ٢٠٩)، والجداول.