صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن إثبات أصول الشرائع بالقياس لا يجوز ابتداء]

صفحة 327 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في أن إثبات أصول الشرائع بالقياس لا يجوز ابتداء]

  اتفق أهل العلم أن إثبات أصول الشرائع بالقياس لا يجوز ابتداء وإن أمكن استعمال طريقة القياس فيه، وذلك كإثبات صلاة سادسة، وحج بيت آخر، وصوم شهرٍ آخر إلى غير ذلك، وإنما اختلفوا في سائر الفروع.

  فمنهم من ذهب إلى أن المقادير نحو الكفارات، والنصب، والحدود، وما شاكل ذلك جارية مجرى أصول الشرائع المبتدأة فلا يجوز إثباتها بالقياس، وهو الذي حكاه شيخنا عن أبي حنيفة وأصحابه ومن طابقهم.

  ومنهم من قال: إن الكفارات، والنصب، والمقادير، والحدود المنقولة، ووقوع الفعل على صفة بعد تقرر أصولها في الشريعة يجوز إثباتها بطريقة القياس، وحكاه شيخنا عن الشافعي وأصحابه، وهو الذي نختاره، وكان شيخنا | يذهب إليه.

  والذي يدل على صحته: ما قدمنا من الدلالة على وجوب استعمال طريقة القياس ما أمكن إذا تكاملت شرائطه، وقد أمكن استعمال طريقة القياس في هذه الأبواب فوجب القضاء بصحته.

  أما أن استعمال القياس واجب ما أمكن، فقد تقدمت الدلالة على ذلك بما لا طائل في إعادته.

  وأما أن استعمال القياس ممكن في هذه المسائل؛ فلأنا متمكنون من معرفة العلل التي لأجلها ثبتت الأحكام في هذه المسائل، فإذا وجدنا هذه العلل في مسائل أخر أجرينا عليها تلك الأحكام، وإلا انتقض كونها عللاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود المؤثر وزوال الموانع، فلا يظهر التأثير، وذلك لا يجوز فلو لم نقل بذلك أدى إلى رفع حكم القياس عن جميع المسائل، وقد بينا الدلالة على صحة استعمالها فيجب أن يقضى بفساد ما أدى إلى فساده من الأقوال.

  فأما أنها تلحق بالأصول المبتداة فغير مسلم؛ لأن الأصول المبتدأة لا مجال للعقل فيها، ولا يمكننا معرفة عللها على التفصيل من حيث كانت غيوباً استأثر الله سبحانه بعلمها،