صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ترجيح العلة بما يرجع إلى حكمها في الفرع]

صفحة 353 - الجزء 1

  ومنها: أن يكون حكم إحدى العلتين إثبات عتاق وحكم الأخرى نفيه، فقد اختلفوا في ذلك:

  فحكى شيخنا ¦ عن الشيخين أبي الحسن الكرخي وأبي الحسين البصري أن المثبتة للعتاق أولى.

  وعند القاضي والحاكم وجماعة من العلماء أنهما سواء، وهو الذي كان شيخنا | يعتمده، وهو الذي نختاره؛ لأن إثبات العتاق وهو شرعي وطريانه على الرق الذي هو شرعي يوجب كون الحكمين شرعيين، فلا يقع لأحد العلتين مزية على الأخرى فلا يجوز الترجيح بينهما، وكون المثبت للعتاق أحوط يمكن بأن يقال بأن إزالة الملك محظورة فيستوي الوجهان في باب الحيطة.

  وقد علل شيخنا ¦ هذه الدلالة في باب الأخبار بما لا وجه لإعادته، وذكرنا في باب الأخبار ما يشتمل بصحة ما قلناه.

  ومنها: أن يكون حكم أحدهما إسقاط حد، وحكم الآخر إثباته، فقد اختلفوا في ذلك:

  فعند الشيخ أبي عبدالله وعيسى بن أبان والشيخ أبي الحسين البصري أن المسقط للحد أولى.

  وقال القاضي: المثبت للحد أولى، وكان شيخنا ¦ يذهب إلى ما قاله الشيخان أبو عبدالله وأبو الحسين ويحتج لذلك بأنه قد أخذ علينا إسقاط الحدود بالشبهات كتعارض البينتين؛ فإذا تعارضت العلتان في ذلك كان تعارضهما صحة شبهة كما ذكرنا في تعارض الخبرين واختيارنا ما ذهب إليه القاضي؛ لأن إثبات الحد حكم شرعي، ونفيه مبني على حكم العقل، والناقل أولى كما تقدّم الكلام في نظائره، ولم يؤخذ علينا إسقاط الحد بالشبهة في الجملة، إنما أخذ علينا دفعه عند وقوعه في العين المخصوص بالشبهة؛ فأما في الجملة فأخذ علينا طلب الأحكام الشرعية وقبولها والإجتهاد في إثباتها.