مسألة: [الكلام في أهل العصر إذا اتفقوا على حكم من الأحكام هل لمن بعدهم مخالفتهم؟]
  والدليل على صحة المذهب الأول: أن أدلة الإجماع لم تفصل بين إجماع وإجماع، والفصل بغير دلالة لا يجوز لأن مخالفتهم في ذلك تكون اتباعاً لغير سبيل المؤمنين، وقد ورد عليه الوعيد فلو جاز لما ورد عليه الوعيد من الله سبحانه.
مسألة: [الكلام في أهل العصر إذا اتفقوا على حكم من الأحكام هل لمن بعدهم مخالفتهم؟]
  إذا اتفق أهل العصر على حكم من الأحكام، فإن لمن بعدهم متابعتهم؛ بل ذلك هو الواجب عليهم، فإن خالفهم بعض أهل الرأي كان مخطئاً، وكان خلافه نقضاً للإجماع، وخلافاً للحق، ويمكن أن يعدل البعض عن الحق.
  فأما أتفاق أهل العصر الثاني على مخالفتهم فإن ذلك لا يجوز وقوعه عندنا.
  وحكى شيخنا ¦ أن قاضي القضاة حكى عن الشيخ أبي عبدالله أنه قال: إنما لم يجز أن يتفقوا على مخالفتهم لأن أهل العصر الأول أجمعوا على أنه لا يجوز أن يقع الإجماع على مخالفتهم، فلو لم يجمعوا على ذلك لجاز أن يتفق من بعدهم على مخالفتهم، ويكون الإجماع الثاني في حكم الناسخ للأول.
  وحكى عن الشيخ أبي علي أنه قال: لو جاز ذلك لجاز أن يخالفهم واحد ثم ينضم إليه ثاني وثالث إلى أن يتفق أهل العصر الثاني على خلافهم، وقوله ø: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١١٥]، يمنع من ذلك، وكان شيخنا ¦ يذهب إلى هذه المقالة ويحتج لها.
  وعندنا أنه يجوز أن يخالفهم البعض؛ لأن المعصية على البعض والخطأ تجوز، ولا يجوز على ذلك اتفاق الكل بالإنضمام أو الإطباق؛ لأن ذلك يكون إجماعاً على الضلالة وخروجاً عن الحق جملة، وذلك لا يجوز على مجموع الأمة، فحكم الجملة في هذه على المسألة منتف عن الآحاد فلا يلزم من إثباته في الجملة إثباته في الآحاد، وقد تقدمت الدلالة على أن إجماع الأمة حجة يجب اتباعها ويحرم خلافها، ويلزم على تجويز وقوع الإجماع على الخلاف بعد الإجماع على الوفاق أن يكون أحد الإجماعين خطأ وذلك لا يجوز؛ لأن